بقلم: فاطمة بن عبد الله الكرّاي لسنا ضدّ الاستفتاء كشكل من أشكال الرجوع إلى الشعب، لاتخاذ قرارات استراتيجية لكن ما وقع في سويسرا الأحد الماضي، والنتيجة التي تمخّض عنها «استفتاء» السويسريين حول مآذن المساجد، ليست له علاقة بنواميس الديمقراطية ولا بحرية الرأي... فقد صوّت السويسريون بالأغلبية، على حظر بناء مآذن جديدة للمساجد في البلاد... لسنا ضد الاستفتاء ولا ضدّ نتائج أي عملية سبر للآراء، ولكنّنا ضد الطريقة التي قدّمت بها المادة أو موضوع الاستفتاء إلى عامة الناس. فقد تضمنت الإعلانات التي تحثّ المواطنين السويسريين على ممارسة حق الاستفتاء، لوحات دعائية كانت تحثّ السويسريون على رفض بناء المآذن وتصوّر المآذن على أساس أنها صواريخ معدة للاطلاق، تحت علم «سويسرا»... وهذا الأمر لا يمكن أن ننظر إليه خارج دائرة الحث على الكراهية بين الأديان، والدفع نحو تصادم الحضارات والأديان.. هنا، ودون أن نعود إلى كمّ الانتقادات الغربية، تجاه نتائج وحملة الاستفتاء المشار إليها، نقول ونذكّر بأن طالبان وفي يوم من أيام ماضية، (قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001) ولمّا حطّمت أصنام بوذا، قامت الدنيا ولم تقعد، وكنّا لا نساندها في ذاك العمل.. لكن العالم، كلّ العالم، استأسد، وكال الشتائم والنعوت التي تدلّ على التخلف وانعدام المدنية لدى هؤلاء... الطالبان.. واليوم، ما عسانا نقول ل«سويسرا» الحياد.. سويسرا التي لا تتدخل في شؤون الصراعات... مهما كان نوعها؟ ما عسانا نقول، وقد فتح هذا الاستفتاء ومن حيث الشكل فقط، أبواب جهنّم على علاقات دولية مريضة... وعالم أشد أمراضا من ذي قبل؟ ما وقع في «سويسرا»، لا يخرج عن نطاق أمر من اثنين: إمّا أن الحملة الدعائية كانت قوية جدّا، بحيث تمكنت اللوبيات التي تبثّ سموم صراع الحضارات والأديان من عقول السويسريين بسهولة، وبالتالي نعود فنقول إن المشهد في سويسرا كما في باقي الديمقراطيات الليبيرالية، في حاجة إلى مراجعة من حيث مكوناته الفكرية والحزبية.. فقد بدت أوروبا، وفق نتيجة الاستفتاء تضيق بالرأي الآخر، وتضيق بدين فقط من الأديان الموجودة وبالتالي فإن عرف التسامح الذي ما فتئت هذه البلدان تتغنى وتطالب به أضحى في عداد الفقدان. وإمّا أن الاستفتاء كشف حقيقة هذه الأنظمة (الديمقراطية الليبرالية) على أساس أنها ترى في الديمقراطية آلية داخلية، لا يمكن تمتيع الآخر بها! فما هي الأجوبة السياسية والأكاديمية التي يمكن انتظارها من نتائج استفتاء سويسرا حول بناء مآذن المساجد... من عدمه؟ إنها الديمقراطية، المعلقة بين السماء والأرض... وضعها تماما كما وضع «غيلان» في «السد» للمسعدي...