في أول عرض جماهيري له، نجح فيلم «الدواحة» لرجاء العماري في استقطاب عدد كبير من المشاهدين غص بهم مساء أول أمس الثلاثاء المسرح البلدي بصفاقس التي عاشت الحدث الثقافي الأبرز في بداية هذا لأسبوع وحولت الشريط إلى حديث المهتمين بالسينما وغير المهتمين في جهة متعطشة للفن السابع بعد أن أغلقت كل قاعاتها تقريبا باستثناء واحدة فقط . العرض الأول لشريط «الدواحة» أمام الجمهور كان بمدينة صفاقس في إطار احتفالات الجمعية الوطنية لمقاومة الأمراض المنقولة جنسيا والسيدا باليوم العالمي لمكافحة السيدا ، وقد نجحت الجمعية في الترويج للشريط الذي واكبته بعض الممثلات مرفوقات بالمخرجة رجاء العماري والموزع الحبيب بلهادي في حين تغيب الممثل ظافر العابدين نظرا لإقامته في هذه الفترة خارج حدود الوطن . ظلام ..ونور أحداث الدواحة تدور في منزل فخم مهجور يشبه القصر ، في كهف القصر تقيم أم وبنت وحفيدة هي عائشة التي يطغى على شخصيتها طابع السطحية الممزوجة بسذاجة وتلقائية بالغت المخرجة في إبرازها إعتمادا على مواقف بدت في الظاهر مفبركة لكن أبعادها الرمزية بدت مقصودة في أحداث الشريط الذي تجاوز الساعة والنصف . كل أحداث الشريط وبنسبة أكثر من 95 بالمائة دارت في الكهف المظلم والقصر المهجور الذي صورت مشاهده في الظلام ، وبصيص النور القليل كان يبرز من حين إلى آخر من بعض النوافذ وفتحات الأبواب المغلقة في مجملها .. في الفيلا الفاخرة وكهفها دارت أحداث الشريط بعدد صغير من الممثلين والممثلات مما أثر على السيناريو الذي جاء مقتضبا في العموم، وقد تركت المخرجة الصمت في أكثر من مشهد للتعبير عن بعض المواقف وهو ما أعطى للعمل بعدا رمزيا يحتاج إلى التدقيق في الأحداث للخروج بصورة كاملة عن مغزى العمل ورسالته وأبعاده التي بدت في الظاهر تعرية لواقع معين ليس بالضرورة تونسيا أوعربيا بل ربما يحاكي واقعا آخر غير واقعنا .. الشريط بمواقفه المتعددة وبمشاهده المتنوعة التي حرصت على إبراز معاناة المرأة وتطلعاتها لحياة أفضل، اتجه حسب رأينا وبالأساس إلى تصوير الصراع الداخلي الذي تعيشه الأنثى في طفولتها وشبابها بل وحتى كهولتها، فمع توقها لاستكمال أنوثتها من خلال النصف الآخر الرجل تقع المرأة ضحية الرجل، لكنها في الأخير تتخلص من المرأة لتعيش حياة الحرية .. حرية بالدم مشاهد الهيمنة والغطرسة والغدر والخيانة والجنس والقتل كانت كلها حاضرة وبقوة في أحداث الشريط الذي تتمكن فيه البطلة عائشة في آخر الاحداث والمشاهد النهائية للفيلم من قتل جدتها وأمها ولتخرج إلى النور ملطخة بالدماء .. تتنوع الأحداث في الشريط وتبدو منبتة عن الواقع في كل المجتمعات، لكنها قد تلامس في نفس الوقت كل المجتمعات، وهي الرمزية التي اعتمدتها المخرجة رجاء العماري التي حوصرت في آخر العرض بأسئلة كثيرة ومتنوعة من الجماهير الحاضرة داخل بهو المسرح البلدي بصفاقس وهو ما يدعم الجدل الحاصل حول شريطها «الدواحة» الذي جاء مختلفا في شكله وأسلوبه عن السائد من الأعمال وهو الإختلاف الذي منح الفيلم نجاحا بارزا في عرضه الجماهيري الأول بصفاقس والذي تتلوه سلسلة من العروض بداية من اليوم الخميس 3 ديسمبر الجاري بقاعات تونس الكبرى .. شريط الدواحة بصفاقس سجل الحدث الثقافي الأبرز في بداية هذا الأسبوع بمدينة أغلقت فيها كل قاعات السينما باستثناء قاعة واحدة يتيمة يناضل صاحبها للبقاء ، وقد استغل الحضور الشريط الذي سجل الحدث لمناقشة المخرجة رجاء العماري وبعض الممثلات والتعبير عن استحسانهم للشريط الذي يحتاج حسب رأينا إلى أكثر من مشاهدة للتقييم والنقد ..