«عاش يتمنى» هو عنوان مسرحية عرضت مساء أول أمس بدار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة أمام لجنة التوجيه المسرحي. وهي من انتاج شركة قرطاج، قام باخراجها واقتباسها، المسرحي زهير الرايس. وتدور أحداث «عاش يتمنى» في قاعة مسرح، حيث يلتقي «مقدّم» الممثل (زهير الرايس) ب«محجوب» الملقن (نورالدين البوسالمي) لاستحضار شخصيات مسرحية من الماضي.. وفي رواياتهم يختلط الهزل بالجدّ، فتتوتر العلاقة حينا وتنفرج أحيانا. وتروى هذه الحكاية على لسان ملاك الحبّ الضائع (آمال علوان) هكذا جاء في ملخص المسرحية، التي ستعرض يوم الاثنين 7 ديسمبر القادم بدار الثقافة ابن رشيق في إطار تظاهرة بانوراما المسرح التونسي. «عاش يتمنى» هي في الواقع مسرحية مقتبسة عن نصّ للكاتب الروسي الكبير «أنطوان تشيكوف»، عنوانه «أغنية الدّم» وهذا العمل المسرحي يتناول موضوع الممثل ومعاناته المهنية وتحديدا في آخر هذه المسيرة المهنية، ويبرز ذلك من خلال دخول الممثل إلى رواق الممثلين عند خروج الجمهور من قاعة العرض.. فيغفو الممثل وفي غفوته يستحضر أهم الحقبات التاريخية في مسيرته المسرحية بإيعاز من الملقّن الذي تابعه خلال هذه المسيرة الطويلة. وفي الأثناء تدخل شخصية ثالثة ومهمة، تعتبر الجانب الرمزي في المسرحية من جهة كونها تمثل الإبداع في أحسن تجلياته، فترى كلا من «مقدم» (زهير الرايس) و«محجوب» (نورالدين البوسالمي) يلهثان وراء هذا الطيف الجميل (آمال علوان) ولكنهما لا يغنمانه (الطيف)، وهذه هي المضامين المسرحية أو الفكرية التي أراد أن يبرزها «تشيكوف» من خلال أغنيته «أغنية الدّم» فلو حقّق الممثل ذاته من خلال الحصول على هذا الملاك الجميل لما كان مبدعا. وفي هذا الاطار يمكن استحضار عديد المقولات لعلّ أبرزها للأديب الراحل محمود المسعدي في صيغة مفادها «الفنّ مأساة أو لا يكون». فالملقن «محجوب» اكتشف مثلا أن المرأة التي يحبّ لم تكن غير ذكر مقنع بلباس أنثى، إلا أنه ظلّ يحبّ ذلك الطيف. إذن المسرحية كانت جميلة إلى أبعد الحدود وخالية من التعقيدات واستمدت جماليتها من نصّها الذي يدل على بحث عميق وجهد كبير وكذلك من الأداء الجيّد جدّا للممثلين، فقوّة المسرحية كانت ان صحت العبارة في «نمنمتها» فهي مجرّدة من كل بذخ ركحي، لأن مناخات مسرح «تشيكوف» مناخات صعبة جدا، فيها يشتغل كثيرا على الصمت، وقد وفّق زهير الرايس في توظيف الصمت، توظيفا محكما يحيل على القلق واستبطان الذات في عزلتها، كل هذه العناصر استغلها مخرج المسرحية ومقتبسها أحسن استغلال، وقطع بذلك مع قالب «الفود فيل» فأحسن بناء نصّه واختار الرؤية الاخراجية المناسبة عندما أحسن توظيف الإضاءة فاشتغل على ما يسمى في المسرح ب«الفانتازيا» أو التهويمات إن صحّ التعبير، وقد وفق في ذلك، كما ان اختيار الموسيقى لم يكن توشيحيا أو عشوائيا بقدر ما كانت الموسيقى قائمة على التنقيط من مقطع إلى آخر. كما أن النص بدوره استمد جماليته من طريقة الكتابة حيث ثمّة ما يطلق عليه ب«اللّمحة الورائية» (Flash Back) وقد نجح الرايس في توظيف هذه الطريقة في كتابته لنصّ مسرحيته «عاش يتمنى»، وبالمناسبة نتمنى أن يواصل في كتابة وإخراج مثل هذه المسرحيات في وقت بدأ فيه المسرح التونسي يشهد تراجعا سيما ونحن نحتفل بمائويته.