لم تتردّد معظم الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في التجاوب مع الخطة الجديدة التي أعلنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمعالجة الملف الأفغاني ولم تمض سوى ثلاثة أيام حتى تداعى وزراء خارجية هذه الدول الى بروكسل لإعلان الولاء لأوباما والسير في النهج الذي رسمه لهم. ومع أن استراتيجية أوباما الجديدة ترتكز أساسا على تعزيز القوات المنتشرة حاليا ب30 ألف جندي إضافي وهو عدد كبير للدولة التي تقود تحالفا لإسقاط «طالبان» وهزم «القاعدة» منذ سنوات دون جدوى فإن أعضاء الحلف أبدوا استعدادهم لإرسال ما لا يقلّ عن 7 آلاف جندي آخرين، رغم تحفظ البعض مثل ألمانيا التي قالت إنها لن تتخذ قرارا نهائيا بشأن زيادة عدد قواتها إلا بعد مؤتمر دولي مرتقب حول أفغانستان، أو فرنسا التي اكتفت بالترحيب باستراتيجية أوباما دون أن تبدي رغبة واضحة في إرسال مزيد من جنودها الى أرض الموت. ويبدو أن الموقف الفرنسي الألماني المتحفظ الذي يمثل استثناء بين مواقف بقية أعضاء «الأطلسي» نابع عن إدراك هاتين الدولتين لصعوبة المهمة وعن قناعة لديهما بأن زيادة عدد القوات الى أفغانستان لن تكون ذات جدوى وقد جرّب الأمريكان هذا التوجه من قبل في العراق ولم تكن النتائج في مستوى ما كانت تنتظره واشنطن وحلفاؤها. وقد أدرك أوباما حساسية هذا الموقف حين حرص في خطابه الأخير على تحذير حلفائه الأطلسيين من أنهم مهدّدون أيضا بخطر من سمّاهم الارهابيين المتمركزين في أفغانستان، وحين عمد الى استحضار روح الوحدة التي سادت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في مسعى لطمأنة الداخل بأن الحرب في أفغانستان ليست عبثية ولن تستمر الى ما لا نهاية بل انها مرتبطة بتحقيق أهداف محددة ولتحفيز الخارج على الانخراط في هذا «الجهد العالمي» الذي بدأه سلفه جورج بوش لمكافحة ما تسمّيه واشنطن الارهاب. تطمينات أوباما امتدت أيضا لتشمل الحديث عن موعد لبدء سحب قوات بلاده من أفغانستان (بعد 18 شهرا) وعن «مقارنات خاطئة» لما يجري في أفغانستان بحرب فيتنام،وكل هذه الحجج التي ساقها الرئيس الأمريكي، بل وحتى المدة الطويلة التي استغرقتها إدارته لإعداد هذه الاستراتيجية وإعلانها تدل على أن الملف شائك والمهمة حسّاسة للغاية واتخاذ القرار أصعب مما يتصور بعض المتحمّسين لزيادة عدد العسكريين لأن أوباما يعلم قبل غيره أن ال30 ألف جندي الذين سيرسلهم قريبا الى أفغانستان ومعهم ال7 آلاف جندي أطلسي هم في الحقيقة ذاهبون الى الموت، وقد استقبلتهم «طالبان» ببيان شديد اللهجة توعدت فيه بإحباط خطة أوباما وتدمير قواته في انتظار الانتقال الى تنفيذ هذا التهديد على أرض أثبت التاريخ مرارا أنها لا تقبل الأجنبي.