دخلت العلاقات بين حركة «حماس» والوسيط المصري عمر سليمان مرحلة جديدة من التوتر بعد وصول مفاوضات الحوار والمصالحة إلى طريق مسدود فضلا عن بدء مصر في بناء جدار فولاذي على الحدود مع قطاع غزة. تلميحا وتصريحا بدأت المعركة الكلامية بين اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية المكلف بمتابعة صفقة تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل، والممسك بملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل. ومن المرجح أن يتحول الوسيط إلى خصم ما لم يتم تدارك الأمر ومعالجته وفقا لما يقتضيه الظرف السياسي. آخر ما صدر عن الوسيط عمر سليمان اتهام مباشر لحركة «حماس» بعرقلة جهود المصالحة وبالمماطلة. ونقلت مصادر فلسطينية «فتحاوية» ومصادر اسرائيلية عن الوزير عمر سليمان قوله إنه لا يعمل موظفا عند خالد مشعل، وأن «حماس» «تريدنا أن نجثو على مناكبنا حتى ترضى». وتقول المصادر ذاتها إن عمر سليمان كان غاضبا جدّا في اللقاء الذي جمعه بوفد من حركة «حماس» في السابع من الشهر الجاري، وأنه اتهمها بنقض كل الاتفاقيات المبرمة، مضيفا أن مصر ضاق صدرها من مماطلة «حماس» وهي بهذا السلوك (أي حماس) أضرت بكرامة مصر وثقلها. الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فالوزير سليمان قال (بحسب المصادر الفتحاوية والاسرائيلية): «ماذا تريد منّا «حماس».. هل تريدنا أن نركع تحت أقدامها.. نحن لا نعمل لدى «حماس» وخالد مشعل.. ونقل عن سليمان أيضا اتهامه ل«حماس» بأنها مرتبطة بأجندات خارجية وتحديدا الإيرانية، وهي أجندات لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية. وتأتي الاتهامات بينما أكد خالد مشعل دعمه لإيران في أية مواجهة مع إسرائيل، إضافة إلى قيامه بزيارة إلى طهران ولقاء كبار مسؤوليها. وإذا ما صحّت التصريحات المنقولة عن عمر سليمان، فإنها المرّة الأولى التي يكون فيها الرجل قد خرج عن صمته، فقد اعتاد التكتم على أدق الخلافات وعادة ما يلتزم الصمت ومعالجة الأمور بهدوء وفي إطار الغرف المغلقة. ومعروف عن عمر سليمان أنه شخصية قوية ولكنها غامضة، خبر التعامل مع الملفات الشائكة ويدرك أن التصعيد لا يفيد في حلّ الأزمات. ربما تكون تراكمات الأزمة وتعقيداتها سببا كافيا ل«هيجان» عمر سليمان، لكن التزام حركة «حماس» الصمت يطرح أكثر من نقطة استفهام، خاصة وأنها لم تعتد عدم الردّ على مثل تلك الاتهامات. يقول المقربون من الوزير عمر سليمان الذي قضى فترة طويلة في جهاز المخابرات العامة المصرية (منذ ثورة يوليو (جويلية) 1952) إنه قليل الكلام وعندما يتحدث يكون هادئا وكلماته متزنة، لا يهوى الظهور الإعلامي وصخب المقابلات التلفزيونية ويعمل أكثر ممّا يتكلم. خبرته السياسية والأمنية أهلته لأن يكون صاحب شخصية قوية ومؤثرة، حتى بات مرشحا قويا لمنصب رئيس الجمهورية خلفا للرئيس الحالي محمد حسني مبارك. «صقر» الديبلوماسية على الطرف المقابل يقف رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل ملتزما بعدم الانسياق في السجالات السياسية، ويؤثر عدم التصعيد وإغضاب مصر، لكنه ألمح في أكثر من تصريح إلى وجوب أن تكون القاهرة نصيرة لحركة «حماس» وأن قطاع غزة الذي يتعرض إلى حصار ظالم ليس عدوا لمصر. وخالد مشعل الذي تم التجديد له على رأس المكتب السياسي للحركة من جناح الصقور فيها، لكنه ومنذ وصول «حماس» للسلطة أصبح أكثر ديبلوماسية في ردود فعله. يحظى مشعل بقبول عربي وبشعبية واسعة لدى الفلسطينيين، خطيب بارع وصاحب شخصية قوية، يدير حركة «حماس» من الخارج وله فضل كبير في كسر عزلتها بفضل علاقاته بعدد من الزعماء العرب، لكن اتجاهه نحو إيران في السنوات الأخيرة جعله في حرج كبير خاصة وأن هناك توترات بين القاهرة (الممسكة بملف الوساطة) وعدد من دول الخليج من جهة وإيران من جهة أخرى. نفى في أكثر من مناسبة أي تدخل إيراني في قرارات «حماس» وأجندتها، وأكد أن الدعم الايراني دعم للمقاومة وللحق وليس شراء ذمم.