...البحرين إذن وبهذا الملتقى، نجحت في احتضان حيّز من الحوار المفتوح بشأن الشعر والنقد والترجمة والسفر وأحوال الكتاب في البلاد العربية.. كان ذلك في لقاءات الهامش خلال أيام المهرجان... فندق برج السفير مثل في تلك الفترة ورشة للشعراء الشبان العرب الأمر الذي أتاح لضيوف البحرين هامشا ثقافيا كان كافيا للتعبير عن الذات في شموخها وهي تصمد بل تقاوم هذه التداعيات المريبة التي عملت على الفتك بأساسيات وجوهر الثقافة العربية... قد يكون هذا الكلام لدى البعض ضربا من النوستالجيا والتشبث بهكذا قيم وأفكار ورؤى قامت عليها الثقافة العربية الإسلامية.. هذا صحيح نعم ولكن لدى النخب في بعض رموزها وأسمائها من الذين أعلنوا انتهاء الثقافة العربية ولغتها ومضوا «يطبّلون» للآخر... الغرب الاستعماري الباحث المشغول بحنين العودة.. إن الأمر مختلف ولئن ابتليت هذه الأمة في بعض نخبها من فئة «المرتزقين» و«المطبعين» فإن الخير في النبلاء وهم يصمدون... نعم وهكذا.. في مواجهة السقوط والاندثار... لقد كان من الأهمية أن تحمل هذه الدورة اسم القدس لتبرز القصائد في تعاطيها الحداثي مع جوهر عواطفها وحميمية خصوصياتها... نعم.. القدس عروس العروبة كما قال الشاعر مظفّر النواب ذلك في إحدى قصائده... بل الأهم أن ينجح الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في تفعيل هذه الوجدانيات من خلال التفكير في المستقبل.. مستقبل الشعر والثقافة في البلاد العربية ليكون المهرجان العربي للشعراء الشبان حاملا لهذا اللواء الثقافي الحارق... كانت لي أحاديث مع الأصدقاء رؤساء الوفود من أعضاء الهيئات المديرة للاتحادات العربية للأدباء في أرض البحرين حول هذه الشواغل وآفاق العمل المشترك ضمن أصالة التعاون العربي والضيافة والود.. كانت القدس جوهر اللقاء مع الشاعر الفلسطيني مأمون مباركة ابن نابلس ومؤسس رابطة أدباء بيت المقدس بها وهو الذي شارك في عديد الندوات والمهرجانات الشعرية داخل وخارج فلسطين ويستعد لعمله الشعري الجديد بعنوان كنوز الغريب... إنّ هذا اللقاء الشعري على أرض البحرين هو عنوان آخر من عناوين الثقافة والإبداع في البحرين مثلما أشار إلى ذلك الشاعر علوي الهاشمي خلال افتتاح الأمسية الشعرية الاختتامية بمقر مؤسسة ألبا الاقتصادية التي تعد من أبرز الشركات العالمية في صناعات الألومنيوم حيث اطلع الضيوف على آفاق النهضة الاقتصادية في البحرين من خلال هذه المؤسسة وقد تم تقديم لمحة ضافية عن أجواء العمل بالمؤسسة ودعمها للحقوق العمالية فضلا عن مساهماتها في الفعاليات الثقافية وقد حرص المسؤول على هذه الشركة على استقبال ضيوف المهرجان وتنظيم حفل استقبال وعشاء على شرفهم وهذا يدخل في التناسق بين الثقافي الاقتصادي تناغما مع طبيعة الحياة على أرض البحرين... الجولة مع الشاعر حسين السماهيجي على متن سيارته الفخمة كانت مجالا للتعرف على أبرز معالم ومواقع ومؤسسات البحرين الثقافية والتاريخية والاقتصادية والحكومية كما كانت مجالا لاستعادة الذكريات الجميلة بأرض تونس وتحديدا بربوع الجريد حيث جاء الشاعر السماهيجي للمشاركة في مهرجان الشعر العربي بتوزر فلقد حدثني عن الأصدقاء سائلا عن أحوالهم وعن التحفة الجميلة المسماة بدار شريط وعن روضة الشابي وعن أجواء الاحتفالات بمائويته... حسين السماهيجي كان بمثابة همزة الوصل في الثقافة والإبداع بين تونس والبحرين كما أنه أخبرني بزيارته القادمة خلال شهر مارس لتونس لمناقشة أطروحته في الجامعة التونسية... الحياة الثقافية في البحرين مزدهرة فبالإضافة إلى افتتاح المعرض الوطني للفنون التشكيلية بفضاء المتحف الوطني كان هناك حضور عربي آخر من خلال ملتقى «قادة الإعلام العربي حيث تستعد البحرين لمنح جائزة البحرين لحرية الصحافة خلال شهر ماي 2010 كما كانت هناك أصداء لاجتماع وزراء الثقافة العرب بسلطنة عمان حيث كان القرار بتحديث الخطة الشاملة للثقافة العربية... فالخطة التي أقُرّت سنة 1985 تتطلب حيّزا من التحديث لمواكبة المستجدات والتطورات... إلى جانب ذلك شهدت البحرين فعاليات الأسبوع الثقافي الإيطالي وتم تقديم أوبرا الأقنعة حيث أشرفت على هذه الفعاليات وزيرة الثقافة والإعلام بالبحرين الشيخة مي بنت محمد آل خليفة... من جهة أخرى أشاد خبير اليونسكو الدكتور رسول وطني دوست بالجهود التي تبذلها مملكة البحرين لحماية الاثار والمحافظة عليها وأكد بأن وزارة الثقافة والإعلام تولي التاريخ والتراث اهتماما كبيرا حيث تم إدراج مواقع جديدة على قائمة التراث العالمي ومنها موقع مدافن تلال عالي ومشروع طريق اللؤلؤ... وفي فعالية أخرى تم اختيار خمسة أعمال (فنية فائزة لأطفال من 5 إلى 17 سنة لتحويلها إلى بطاقات بريدية رسمية لتسويق صورة البحرين في الخارج... وقد شارك في هذه المسابقة أكثر من 200 طفل وشاب وذلك بموقع قلعة البحرين... كما حصل مشروع متحف حضارة دلمون للمهندسة مي الصفار على المركز الأول وقام أصدقاء التراث برحلة ثقافية إلى متحف ارامكو وتمّ اكتشاف جرّة فخارية في قلعة الشرطة تعود لفترة دلمون المتأخرة وكان حضور البحرين في مهرجان الموسيقى العربية (18) بدار الأوبرا المصرية فاعلا من خلال المشاركة في المؤتمر حيث ضم الوفد البحريني المشارك رئيس الموسيقى والفنون الشعبية بإدارة الثقافة والفنون أحمد الغانم والفنانة البحرينية هدى عبد الله... وفي قلعة البحرين افتتح معرض ضمّ 90 صورة فوتوغرافية حول جمال البحرين وأهمية المحافظة على البيئة... هذه بعض أصداء الثقافة في البحرين التي وصلتنا عبر نشرية بعنوان الثقافة والتراث الوطني تصدر شهريا عن وزارة الثقافة وقد ضمها الملف الخاص بالملتقى العربي للشعراء الشبان... هكذا هي البحرين... حركة ثقافة وجانب أصيل وعشق للاداب والفنون واللغة في عنفوان العبارة.. إنها العبارة الباذخة تجاه الحياة... الإبداع... الناس.. التاريخ... في البحرين أحسست بأهمية إعادة قراءة أدب هذه البلاد... من ذلك أعمال قاسم حداد... ليلى السيد... حسين السامهيجي.. أحمد العجمي أمين صالح... المكان يعطي بعدا آخر في قراءاتنا للاداب بعيدا عن القراءة المجردة من الزمان والمكان.. وبذلك قد نستنشق عطورا أخرى في تلك القصائد والنصوص هي من عطور البحرين.. الأرض والحضارة والبهاء.. والود... تمثل هذه المعاني وببعضها تحلّت قصائد الشعراء العرب الشبان فالنص واحد في حميميته.. متعدد في ألوانه... البحرين.. انذاك.. مطر ناعم... قصائد عالية... وأصالة ملفتة وتلقائية أخرى في رقعة من رقاع أرض العرب الجميلة...