ونحن نعدّ الساعات التي لا تزال تفصلنا عن حلول عام جديد وتوديع آخر سيصنف في ذاكرتنا على أنه ماض بكلّ ما عرفه من أحداث ومفاجآت، وصور ستصبح قريبا من بين الذكريات، ذكريات أكيد لن تقدر الأيام على محوها وجعلها طي النسيان لأنها كانت حديث القاصي والداني عبر العالم. وقد شهد عام 2009 عديد الأحداث التي فرضت نفسها على الساحة الإعلامية ولاقت اهتماما واسعا، لا سيما الأحداث الصحية والاكتشافات الطبية الهامة التي عرفها هذا العام والتي صنع فيها فيروس أنفلونزا الخنازير الحدث ليسرق الأضواء من عديد الأحداث الأخرى. ولا نبالغ إذا قلنا أن فيروس أنفلونزا الخنازير صنع الحدث عام 2009 منذ اكتشافه وحتى هذه الساعة حيث احتلّ نبأ انتشار هذا المرض مقدمة اهتمامات العالم، وما رافقه من حالات ذعر وهلع في صفوف الناس خاصة بعد أن رفعت منظمة الصحة العالمية مستوى الإنذار في مواجهة مرض انفلونزا الخنازير إلى الدرجة السادسة القصوى معلنة بذلك أول جائحة في القرن الحادي والعشرين ليحول بذلك هذا المرض إلى أبرز الأحداث التي صنعت الأخبار في العالم عام 2009 بامتياز. أهم النجاحات الطبية كما سبق وأشرنا ومما لا شك فيه أن فيروس أنفلونزا الخنازير قد سرق الأضواء وسحب البساط من تحت أقدام أهم النجاحات الطبية والاكتشافات العلمية التي كانت تسجل حضورها بقوة في نهاية كل عام. ومن أبرز النجاحات الطبية التي صنعت كذلك الحدث عام 2009 نذكر تمكن أطباء من إجراء جراحة زرع وجه للأمريكي «جيمس ماكي» كأول رجل وثالث شخص في العالم يجري جراحة زرع وجه بعد تعرّضه لإصابات بليغة إثر سقوطه على و جهه على أحد الكوابل الكهربائية للسكك الحديدية. وفي نفس المجال دائما، نجح فريق من الجراحين الفرنسيين في إجراء أول جراحة لزرع وجه ويدين لشخص في وقت واحد، مشيرين إلى أن المريض الذي أجريت له الجراحة (ويبلغ من العمر 30 عاما) كان قد أصيب بحروق بليغة إثر تعرضه لحادث وتعرض وجهه ويديه لحروق من الدرجة الثالثة ما اضطر الأطباء إلى بتر كل أصابعه. كما كشفت صاحبة أول وجه مزروع عن هويتها بعد أن تمكنت من التنفس والحديث بشكل طبيعي لأول مرة منذ خمسة أعوام، للإعراب عن تقديرها لفريق الأطباء الذي أجرى لها الجراحة في أول عملية من نوعها في الولاياتالمتحدة ومن ناحيته دخل الجراح الإسباني «بيدرو كافاداس» التاريخ عندما نجح في إجراء أول عملية زرع لسان وفكّ على الإطلاق، وذلك في إطار جراحة زرع وجه تجرى للمرة الأولى في إسبانيا. كما نجح أطباء مصريون في إجراء أول عملية قسطرة لطفل يبلغ من العمر ستة أشهر، بعد تركيب أحدث جهاز لقسطرة المخّ ضمن منظومة طبية متخصصة جديدة لعلاج تلك الحالات النادرة. وفي نفس الصدد، نجح فريق طبي فلسطيني في إجراء عملية قسطرة علاجية تعد الأولى من نوعها لمريض كان يعاني من ارتفاع في ضغط الدم وجلطة قلبية حادة في الجدار الأسفل للقلب نتيجة انسداد مفاجئ في الشريان التاجي الأيمن. كما نجح فريق طبي ألماني في إجراء جراحة لزرع أصغر قلب صناعي في العالم حتى الآن. اكتشافات قيّمة لخدمة البشرية! تتصدّر قائمة هذه الاكتشافات اكتشاف مفعول مادة «رابامسين» الطبيعية التي تبيّن أنها تؤخر عملية تقدم السن لدى الثدييات وقد صنّف هذا الاكتشافات ضمن أهم عشرة اكتشافات لعام 2009. وفي إنجاز آخر لا يقلّ أهمية عن سابقيه، ساعد التقدّم الذي حدث في أبحاث العلاج الجيني مكفوفي البصر في استرداد جزء من بصرهم ممّن كانوا يعانون من نوع من العمى الجزئي. كما نجح العلاج الجيني في قهر مرض جيني مميت يصيب الدماغ. وقد شهد عام 2009 أيضا عديد النجاحات والاكتشافات الطبية الهامة على مستوى التقدّم في علاج أنواع عديدة من السرطانات وكذلك في علاج الأمراض العصبية والنفسية، كما شهد هذا العام أيضا نجاحا منقطع النظير بالنسبة للخلايا الجذعية التي ساعدته على علاج عديد الأمراض والحالات التي كان يستعصي علاجها في السابق ويعتبرها العلماء مجالا خصبا لمزيد تحقيق نجاحات أخرى هامة مستقبلا. وفي اكتشاف طبي آخر، أوجدا علماء بديلا لدواء «وارفرين» المعتمد بكثافة من قبل ملايين الأشخاص في العالم خاصة المصابين بالرجفان الأذيني (Atrial Fibrillation) ويتداخل مفعول «وارفرين» مع عمل عشرات الأدوية والأعشاب والأغذية لذا فإن تناوله يتطلب إجراء العديد من تحاليل الدم للتأكد من أن تخثّر الدم يجري في نطاق آمن، وقد تقبّل الأطباء هذه النقائص لانتفاء وجود بديل له لكن عام 2009، شهد قدوم البديل، وهودواء «دابيغاتران» (Dabigatran) الذي يغني مستعمله عن مراقبة تخثّر الدم ويتوقع أن تقوم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بإجازة هذا الدواء عام 2010. ومن الدراسات المثيرة التي ظهرت في عام 2009 أيضا تلك التي أشارت إلى أنّ السمنة التي تعتبر من أمراض العصر هي مرض معد. فقد أظهرت جملة من الدراسات أن أحد أسباب ازدياد الوزن إضافة إلى حدوث مشكلات صحية أخرى، يرتبط بالسلوك «المعدي» من قبل الآخرين. وقد عرف العالم إلى جانب هذه الثورات والنجاحات الطبية المهمة عودة طوارئ صحية كانت تعتبر من الماضي ويتمثل أبرزها في عودة شلل الأطفال إلى إفريقيا بعد أن كان قد اختفى تماما بعد حملات التطعيم وتواصل ارتفاع وفيات الأمهات والمواليد في الدول النامية نتيجة ضعف برامج تنظيم الأسرة والرعاية الصحية المتعلقة بالحوامل هذا فضلا عن عودة ظهور وباء الطاعون. وبين نجاح وأمل وطارئ مفاجئ وصيحة فزع ودّع العالم عام 2009 ليستقبل عاما جديدا سيعرف أكيدا نجاحات إضافية وطوارئ صحية محتملة وهي الدورة الطبيعية للحياة.