تتجه الازمة السياسية في إيران الى المزيد من التصعيد، منذرة بمواجهات بين الأقطاب السياسية من الحزبين الرئيسيين: «التيار الاصلاحي» و«تيار المحافظين»، ولم تعد المشاحنات مقتصرة على من سبق لهم الترشح للانتخابات الرئاسية وخسروها أمام محمود احمد نجاد، فبعد الحرب الكلامية بين الرئيس الحالي وخصمه «المهزوم» مير حسين موسوي، دخل الرئيس السابق محمد خاتمي على خط الازمة معلنا رفضه لسياسة الحكومة الحالية بوصفها على حد تعبيره سياسة تصادمية مع المجتمع الدولي، ومع المعارضة في الداخل. محمد خاتمي المعروف في صفوف التيار الاصلاحي، بالاعتدال والوسطية، خرج عن صمته بعد خسارة مرشح الاصلاحيين مير حسين موسوي وآثار التصعيد مؤخرا مع اتجاه الحكومة الى مواجهة المحتجين على نتائج الانتخابات بالقوة. وتحيلنا متابعة المشهد السياسي في ايران مع نهاية عهد خاتمي وتولي احمدي نجاد الرئاسة الى أجواء مشحونة بين الرجلين، ولكنها ظلت مكتومة طيلة السنوات القليلة الماضية، ولم تخرج الى العلن الا بعيد هزيمة مرشح الاصلاحيين مير حسين موسوي. جادل محمد خاتمي خلفه بضرورة التهدئة مع الغرب، وقدّم له نصيحة تعتمد على عدم استفزاز «العدو»، والى حدود تلك النصيحة لم تخرج «المشاحنة المكتومة» عن سياقها السياسي وعن تعابير ومصطلحات المهادنة وان كانت ظرفية ولم تكن «نصيحة» خاتمي تخلو من التلميح الى «سوء» ادارة نجاد للملف النووي، والى الاداء غير المرضي للحكومة (حسب تقدير الاصلاحيين). وانتهت مرحلة «المشاحنة المكتومة» برد عنيف من الرئيس محمود أحمدي نجاد (خلال ولايته الاولى) حين اتهم سلفه محمد خاتمي وايضا الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني بإضعاف مكانة ايران الدولية عبر سياسة المهادنة مع الغرب وعدم التفاوض من موقع القوة. خلال ولاية نجاد الثانية، خرجت السجالات الى العلن واتجهت يوما بعد يوم الى الصدام، فخاتمي الميال الى الديبلوماسية في حلّ الازمات الداخلية، وجد نفسه مدفوعا الى التصعيد على اعتبار ان الظرف الحالي يقتضي مواجهة ما اعتبره «تجاوزا» للمعهود وخرقا للدستور واستقواء بصلاحيات المنصب (رئاسة الجمهورية). وحذّر خاتمي من تبعات سياسة أحمدي نجاد على المستويين الداخلي والخارجي، كما انتقد بشدة أداء خلفه (احمدي نجاد) واستعدائه للغرب، مع الاشارة ضمنا الى «دكتاتورية» النظام، أمر لم يرق لرئيس الجمهورية الاسلامية ودفعه للرد على منتقديه وعلى رأسهم محمد خاتمي بالقول انهم يستخدمون المنطق ذاته الذي يستخدمه أعداء ايران. وذهب أحمدي نجاد الى أبعد من ذلك حين اتهم تيار الاصلاحيين وبعضا من خصومه من تيار المحافظين بالتآمر على النظام، مشيرا الى أن ايران تتعرض لمؤامرة خارجية يقودها قادة المعارضة. ولا يختزل التصعيد بين خاتمي ونجاد المشهد الايراني، بقدر ما هو جزء من الوضع السياسي الراهن السائر نحو المزيد من التأزم مع تعدد أقطاب المواجهة. يملك كل من خاتمي ونجاد رصيدا شعبيا وخبرة سياسية مع اختلاف في الأداء وتباين في الرؤى، فالأول الذي عرفت ايران في عهده انفتاحا نحو الخارج ومفاوضات مع الغرب وان لم تحرز تقدما يحظى بقبول لدى المجتمع الدولي، والثاني مرفوض في الخارج، مقبول لدى فئة هامة من شعبه ومغضوب عليه من فئة أخرى تطمح للتغيير ومزيد من الانفتاح. حقق محمود أحمدي نجاد انجازات كبيرة خاصة منها تعزيز قوة بلاده العسكرية، وأخفق في حل الكثير من المشاكل الداخلية على رأسها البطالة والأزمة الاقتصادية، وغلبت اخفاقاته على انجازاته ليجد نفسه وسط عاصفة من الاحتجاجات مرشحة الى ان تتسع مع استمرار قادة المعارضة في رفضهم لنتائج الانتخابات. واللافت أن كلاهما يتمسك بمبادئ الثورة ونظام ولاية الفقيه، لكن الحرب الكلامية بينهما تزيد الوضع تعقيدا خاصة انها احدثت شرخا في نظام ولاية الفقيه التي يحرص كل منهما على التمسك به وحمايته، فايران لم تشهد منذ الإطاحة بحكم الشاه احداثا دموية كالتي شهدتها مؤخرا، ولم يسبق لأي معارضة في ايران أن أقدم أنصارها على حرق صورة رمز «ثورتهم» ونظامهم : صورة مرشد الثورة، فهل بدأت «الثورة» تأكل أبناءها؟