للسيدة حدّة الأرملة الفلاحة الصغيرة بقرة حلوب هي مورد رزقها الوحيد، كانت قد اشترتها عن طريق البنك ونزّلتها منزلة العائل الرحيم بها، لذلك دللتها كما لو كانت حبها الاول والأخير حتى باتت عيناها ترعاها ليلا نهارا ولا طيف في خيال حدة إلا طيف البقرة، ولا هم لحدّة سوى ضمان علف البقرة وصحتها حتى تدرّ حليبا بما يسدّ رمقها ويفي بربح صانع ومستورد وبائع العلف المركب، وبما يقيها من زيارات العدل المنفذ كلما تأخرت في تسديد القرض المركب للبقرة أصلا وأداءات ومصاريف عدول التنفيذ. مرضت البقرة، ونحف جسمها وكفّ ضرعها عن العطاء فسكنت الحيرة رأس حدّة، وتربعت على عرش أفكارها وأفقدتها حواسها الخمس. هل تشتري بكل ما تبقى لها من قلّة حليب علفا للبقرة؟ أم تسدد دفعة القرض للبنك؟ أم تستقدم به بيطريا لعلاج علّة البقرة؟ وكان من المنطق ان تستدعي البيطري وكان لها ما أرادت باعتبار ان البقرة هي قلب الرحى في دوران دواليب حدة، كشف البيطري عن البقرة ولم يطل بحثه عن العلّة التي صارح حدّة بها قائلا: بقرتك مصابة بمرض العصر، انها تعاني من «الستراس» أي من الكآبة وعلاجها هو التمسيح على جلدها، واسماعها الموسيقى الهادئة، والحد من قيدها، ومن الافراط في حلبها. عندها تخيّلتُ حدّة تخور «موووه» ولسان حالها يقول كفاني صخبا وقيدا وتهرئة لجلدي وافراطا في حلبي، حدّة سمعتْ بأشياء «يزوّك منها البقر» وها هي اليوم تعزز رصيد معارفها بمعرفة أشياء «تُحزّنُ البقر».