حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يواصل «سي أحمد» بن صالح كشف تفاصيل الزيارة التي أداها الى فرنسا على رأس وفد كبير ومتنوع، بدعوة من وزير المالية جيسكار ديستان، أي نظيره في فرنسا، حيث كان ذلك في فيفري 1964.. ليقول: «أنا رجعت مبتهجا بالنتائج التي حققتها الزيارة.. إذ لأول مرة منذ الاستقلال لم يقع تصادم بيننا وبين فرنسا، عند لقاء وفدين للتحاور.. بعدها جاء تأميم الأراضي دفعة واحدة في الربيع، فانسدّت الأبواب، وكل ما وقع الاتفاق حوله من مواضيع وملفات جُمّد». قلت ل «سي أحمد»: لماذا وقع هذا؟ وما سرّ هذا التشنّج أو الغضب الفرنسي الذي وصل حدّ إلغاء أو تجميد ما كنتم اتفقتم حوله في لقاء فيفري 1964؟ عن هذا السؤال يوضّح صاحب المذكرات: «السرّ، كونه، هناك جالية (من المعمرّين) سيخرجون من تونس، وهذا ليس بالأمر المريح (لفرنسا طبعا) خاصة أنه لم يقع تفاوض في الموضوع، ملف ال400 ألف هكتار التي أمّمها رئيس الدولة دفعة واحدة.. إذن تمّت الأمور على ذاك النحو، وبطبيعة الحال هناك ثغرة، لأن المداخيل التي كانت ستدخل من الجهة الفرنسية، لن تدخل بفعل انعكاس العلاقة الجديدة.. وأمام هذا الأمر، اضطررت الى الاقتراض من بنوك ايطالية لتسديد الاختلال الذي وقع جرّاء هذه القطيعة (مع فرنسا). قلت سائلة، على خلفية العلاقة الطيبة بين بن صالح وديستان: «ألم تحاول الاتصال بديستان؟ فقال بسرعة: «لا أبدا.. لم يكن هناك اتصال.. واصلنا عملنا.. وأمّمنا الأراضي.. ولم تعد العلاقات الى مجراها إلا يوما من الأيام، عندما أنهينا إعداد المخطط الرباعي الثاني (المفترض تطبيقه بين سنتي 1969 و1972) وقبل الدخول في تنفيذه، كلّمني عبر الهاتف يوما من الأيام، ميشال دوبريه.. وكان ذلك على ما أعتقد سنة 1968، وقد سُمّي وزيرا للمالية في فرنسا، كلمني من وزارة المالية مباشرة، وقال لي: أنا أعلم، سيد بن صالح، أنكم أنهيتم إعداد المخطط الرباعي الثاني، ولذلك فأنا أدعوك الى زيارتنا لأن فرنسا مقرّة العزم على المساهمة في تنفيذ هذا المخطط.. طبعا شكرته، وقبلت الأمر وحدّدنا الموعد باليوم والساعة.. كان ذلك قبل أيام من تاريخ الموعد المقرّر بيننا.. وإذا بميشال دوبريه يطلبني من جديد، وكان ذلك بعد أيام قليلة من المكالمة المشار إليها، ليقول لي: إن موعدنا ثابت، من حيث اليوم والساعة، ولكني أردت فقط أن أعلمك، بأن لقاءنا سيكون في نفس التاريخ، ولكن في وزارة الخارجية وليس المالية، لأنني عيّنت وزيرا للخارجية. الحقيقة، ابتهجت لهذا الأمر، وهنّأته، ثمّ كوّنّا وفدا وذهبنا الى الخارجية الفرنسية، وكان ميشال دوبريه (Michel Debré) رئيس الوفد الفرنسي وكنت رئيس الوفد التونسي الى باريس، وأقول لك، انّه مدة مسؤولياتي المتعددة في تونس، لم تمر ولم تقع جلسة وحوار ونقاش ونتائج بمثل ما تمّ مع ميشال دوبريه، ولم أشهد جلسة أنجح من تلك الجلسة.. دوبريه قال لي كلاما طيّبا جدا، حول العلاقات الثنائية، وحول سياسة تونس، وكأنه يمحو ما صدر عن سفيره الذي تحدّثنا عنه (ويقصد سوفانيارك)». غدا تفاصيل أخرى، من ملف العلاقة مع فرنسا، في أزمنة متعدّدة..