يوم أمس سيبقى عالقا بأذهان السيد محرز بن صالح العامري وزوجته السيدة منجية البرهومي.. كيف لا وهما اللذان فقدا فلذات أكبادهما دفعة واحدة وفي لمح البصر. المكان.. حي أولاد عون بمدينة القلعة الصغرى من ولاية سوسة.. والزمان منتصف نهار أمس، عندما عادت الحاجة زهرة العامري من مستشفى سهلول القريب من المنزل.. فتحت الباب الخارجي.. تقدمت نحو الغرفة التي تركت فيها أحفادها وفتحتها لتقف على مشهد لا يمكن ان تتقبله عين بشرية على وجه هذه البسيطة.. دخان كثيف.. سواد عظيم يغطي جدران الغرفة.. وأحفادها يفترشون الارض كأنهم نيام.. صرخت.. ولْولَتْ... ثم احتضنتهم واحدا واحدا.. احتضنت «وجدان» ذات الاربع سنوات فوجدتها قد فارقت الحياة.. توجهت نحو «إيمان الله» الذي لم يتجاوز ربيعه الثاني لتجده هو الآخر قد انتقل الى جوار ربّه.. كانت تصرخ صراخا مرّا لما انتبه لها جيرانها الذين تحوّلوا لمعرفة السبب... وجدوها تحتضن صغيرتها «ألماء» التي لم تتجاوز شهرها السادس... كانت الرضيعة تصارع سكرات الموت... لكن هيهات... لقد انتهى كل شيء وانتهت معه «ألماء» بين احضان جدتها. عند وصولنا الى «حي أولاد عون» بجهة القلعة الصغرى وجدنا الجيران قد تجمهروا أمام المنزل ينظرون الى أعوان الحماية المدنية والشرطة والحرس الذين تحوّلوا على جناح السرعة الى مكان الحادثة... السيد الطيب الراقوبي والي سوسة أصرّ هو ايضا على التنقل الى مكان الحادثة رفقة السيد نجيب قريسة معتمد القلعة الصغرى للوقوف على أسباب هذه الفاجعة وتقديم التعازي الى عائلة الأطفال المنكوبين... وبين هذه الجموع كان السيد سمير القروي أحد أجوار العائلة المنكوبة يروي ما حصل... يقول السيد سمير: «لقد تعوّد جاري السيد «محرز» وزوجته السيدة «منجية» على التوجه الى عملهما يوميا بأحد المصانع وترك أبنائهما الثلاثة في رعاية جدّتهم... لقد تحوّلت الجدة «زهرة» هذا الصباح الى مستشفى سهلول للعلاج وأحكمت غلق باب الغرفة عليهم وأيضا الباب الخارجي للمنزل حتى لا يغادرونه. وبقي الأطفال يلعبون داخل الغرفة... لقد اكتشف أعوان الحماية المدنية انهم استعملوا ولاّعة خلال لعبهم.. وفجأة اندلعت النيران بستائر الباب لتنتقل الى الباب الخشبي.. الغرفة لا تحتوي على أثاث الا بعض الأفرشة التي كانت بعيدة عن النيران.. لقد اختنقوا بالدخان ولم تلمسهم النيران.. لقد شاهدتهم بنفسي ورأيت بأم عيني كيف كان لسان الرضيعة «ألماء» شديد السواد جرّاء تنفسها الدخان.. رحمهم الله.. انهم عصافير الجنّة».. والد الأطفال كان هو ايضا في حالة لا يحسد عليها.. أما الأم.. فحدث ولا حرج... لقد اعلموهما بالخبر عندما كانا في أماكن عملهما الصراخ لم ينقطع حتى بعد ان أذن ممثل النيابة العمومية بتحويل جثث الأطفال الثلاثة الى قسم الطب الشرعي بمستشفى فرحات حشاد للوقوف على أسباب الوفاة توجهنا نحو السيد محرز العامري والد الهالكين لتقديم واجب العزاء.. كان تائها ينظر حوله كمن يبحث عن شيء فقده... نظر إلينا وقال: «الحمد لله على كل ما أعطاني وأخذ مني.. هو الذي رزقني إياهم وهو الذي أخذهم مني.. رحمهم الله».. ثم أجهش بالبكاء.