معهد باستور: تسجيل حالة وفاة و4 اصابات بداء الكلب منذ بداية 2024    المدير العام للديوانة في زيارة تفقد لتطاوين    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    إجراء أول اختبار لدواء يتصدى لعدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    عاجل: غرق مركب صيد على متنه بحّارة في المهدية..    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكانة العقل في الإسلام
نشر في الشروق يوم 15 - 01 - 2010

لمّا بعث الله سبحانه وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا مبشرا برسالة الإسلام السمحة وجد الناس غارقين في بحر من الظلمات يتخبطون فيها وقد اتخذوا عقائد فاسدة يعبدون الأصنام ويقدسون الأوثان اعتقادا منهم أنها تنفع وتضرّ متبعين أهواءهم ومقلدين لآبائهم . قال تعالى في شأنهم: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُهتدون) (الزخرف22), فأمرهم بعبادة الله واحدًا أحدَا فردًا صمدَا والإيمانَ به ودعاهم إلى إعمال العقل و البحث والنظر إلى ما في هذا الكون الفسيح من عبر وآيات وما حواه من دقة في الصنع وإبداع في الخلق وإحكام في النظام.
لقد اعتبر الإسلام العقل من أهم الوسائل في تحصيل المعارف ومن أهم الأدوات الموصلة إلى معرفة الخالق والإيمان به لأنه سبحانه وتعالى قد أقام الأدلة على وجوده من أصغر مخلوقاته كالذرّة إلى أكبرها كالمجرّة , وأقام الحجّة في الإنسان وفي السماوات والأرض وفي كل شيء في هذا الكون مما عظُم وحقُر, وشرُف ووضُع , وكبُر وصغُر, كل ذلك ليبيّن سبحانه لخلقه أن وجوده حق لا ريب فيه وأنه تعالى شهيد مطلّع على سرائر مخلوقاته لا تخفى عليه منهم خافية قال تعالى: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت 53) . وما أكثر ما أرشد إليه القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة إلى إعمال العقل والتفكر في ملكوت الله مثل قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ) ( الأعراف 185 ). وقد استأثرت دعوة القرآن إلى التعقل والتفكر باهتمام كبير، حتى بلغت الآيات التي احتوت على كلمتي (الفكر) و (العقل) من الكثرة بمكان. فقد تكرر لفظ(الفكر) في القرآن بمختلف صِيغه ثمانِي عشرة مرّة، كما تكرر لفظ (العقل) بمختلف صيغه كذلك تسعا وأربعين مرّة مثل قوله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وقوله (أفلا تعقلون) وقوله ( أفلا يتفكّرون), وقوله أيضا (لعلهم يتفكرون). بل إن الإسلام قد أنكر على الذين عطّلوا عقولهم عن النظر فقال جلّ شأنه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)(محمد24) وقال أيضا:( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ)(الأنفال22). كما أن الدين جعل من عدم استعمال العقل سببا لعذاب الآخرة, قال تعالى في شأن الكفار (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)( الملك10).
إن الله تعالى خلق الإنسان وأراد له أن يكون خليفة في الأرض وسيدا في هذا الكون، وأنه كرّمه وفضّله على غيره من المخلوقات، وزوّده بالعلم ، وحمّله المسؤولية وسخّر له الكون كله ليمارس فيه نشاطاته المادية والروحية على حد السواء، وقد أكد القرآن الكريم كل هذه المعاني في مواضع عديدة منها قوله (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(الإسراء70). وقد بيّن العلامة التونسي محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره القيم (التحرير والتنوير) معنى التكريم والتفضيل اللذين وردا في الآية السابقة حيث قال: (فأما منّة التكريم فهي مزية خص بها الله بني آدم من بين سائر المخلوقات الأرضية.والتكريم: جعله كريماً، أي نفيساً غير مبذول ولا ذليلا في صورته. والتفضيل منظور فيه إلى تشريفه فوق غيره، على أنه فضّله بالعقل الذي به استصلاحُ شؤونه ودفْعُ الأضرار عنه وبأنواع المعارف والعلوم، هذا هو التفضيل المراد).
إذا كان هذا التشريف للإنسان وتفضيله على سائر المخلوقات بالعقل الذي هو مناط التكليف بهذا القدر العظيم فإن الإسلام قد سعى إلى حماية هذا العقل من كلّ ما يُخلّ بوظائفه وإزالة كل العقبات التي تعوقه عن ممارسة نشاطاته منها:
رفضه التقليد الأعمى. فالإسلام عندما أمرنا بالنظر واستعمال العقل فيما بين أيدينا من ظواهر الكون نهانا في الوقت نفسه عن التقليد الذي فيه تعطيل للعقل عن أداء دوره في الوجود في الخلق والإبداع, ولهذا عاب القرآن على المشركين تقليدهم الأعمى لأعرافهم وتقاليدهم وأسلافهم مستنكراً مثل هذا التقليد. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلّم أيضا من التقليد الأعمى قائلا: (لا تكونوا إمعة). بمعنى لا تكونوا مقلدين للآخرين تقليداً أعمى. فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يرتض للمسلمين أن يكونوا إمعات يسيرون وراء كل ناعق، بل عليهم أن يحكّموا عقولهم ويميزوا بين ما يضرهم وما ينفعهم.
محاربته للدجل والشعوذة والاعتقاد في الخرافات والأوهام. فلا ضرر ولا نفع إلا بإرادة الله الذي يقول لنا في القرآن الكريم إنه أقرب إلينا من حبل الوريد، وأنه قريب يجيب دعوة من يدعوه. والرسول يقول: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وليس هناك مخلوق يتحكم باسم الدين في رقاب العباد. وعقائد الإسلام واضحة وضوح الشمس في وضح النهار ليس فيها ما يتعارض مع مقررات العقل السليم. وقد وقف الرسول بحزم في مواجهة مثل هذه المعتقدات، فعندما مات ابنه إبراهيم تصادف أن كسفت الشمس في ذلك اليوم، فقال البعض من الصحابة: لقد كسفت الشمس مشارِكَة في الحزن على موت إبراهيم. وقد واجه النبي ذلك على الفور بالرفض القاطع قائلا: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان ولا يخسفان لموت أحد ولا لحياة أحد.
تحريمه تناولَ كل ما يُهلك العقل ويفسده من مسكرات ومخدرات وغيرها من الآفات المهلكة .
إنّ الإسلام دين ينبذ الغموض ويرفض الاتكال على بشر لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا وهو أبعد ما يكون عن الشعوذة بل يربي المؤمنين على التوكل على الله ويدعوهم إلى التوحيد والأخذ بالأسباب والسعي للانتفاع من سنن الله في هذا الكون بإعمال العقل وفق قوانين علمية مضبوطة لا مجال فيها للطلاسِم. ومن هنا تختلف الأمم المتحضّرة عن الأخرى المتخلّفة فإذا كانت الأولى تستخدم نتاج العقل من العلوم والمعارف فإنّ الثانية مازالت تستخدم الشعوذة والبخور وقراءة الكفّ والفنجان. فإذا ما نظرنا حولنا فإننا نرى أنه ما تقدّمت أمّة من الأمم إلآ باستعمال العقل, وما أحكمت أمّة قبضتها على العالم إلا بالفكر واكتساب العلوم والتكنولوجيا, وما تحكّمت دولة في اقتصاد العالم إلا بالعلم والبحث, وما غزت أمّة الفضاء وأحسنت استغلال خيرات الأرض والبحار إلا بالمعرفة التي مصدرها العقل.
هكذا نزّل الإسلام العقل منزلة رفيعة وميّز به الإنسان عن بقية مخلوقاته منذ أن خلق الله آدم وحمّله أمانة الاستخلاف في الأرض ليعمّرها ويستغلّ خيراتها ومكنوناتها ويترك آثاره وحضارته عبر الزمان والمكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.