الرياض تحتضن الدورة 12 للجنة المشتركة التونسية السعودية    مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية غدا بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    عاجل/ بعد اعتراف الكيان بأرض الصومال: حماس تصدر هذا البيان وتفجرها..    إيقافات جديدة في فضيحة مراهنات كرة القدم    8 قنوات مفتوحة تنقل مباراة تونس ونيجيريا اليوم في كأس أمم إفريقيا    اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية: محرز بوصيان يواصل رئاسة اللجنة    الإتحاد الإسباني لكرة القدم يسلط عقوبة قاسية على نجم نادي إشبيلية    مدرب جنوب أفريقيا: صلاح قال لي إنه فوجئ باحتساب ركلة الجزاء لمصر    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    عاجل/ تنبيه: انقطاع التيار الكهربائي غدا بهذه المناطق..    مستخدمو التواصل الاجتماعي مجبرون على كشف أسمائهم الحقيقية    قابس: نجاح جديد بقسم طب العيون بالمستشفى الجامعي بقابس    سيدي بوزيد: تحرير 17 تنبيها كتابيا وحجز كميات من المواد الغذائية    قابس: تقدم مشروع اصلاح أجزاء من الطرقات المرقمة بنسبة 90 بالمائة    عاجل/ بشرى سارة لمستعملي وسائل النقل..    حصيلة لأهمّ الأحداث الوطنية للثلاثي الثالث من سنة 2025    أبرز الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 20 ديسمبر إلى26 ديسمبر 2025)    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    كرهبتك ''ن.ت''؟ هذا آخر أجل لتسوية الوضعية؟    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    بعد ليلة البارح: كيفاش بش يكون طقس اليوم؟    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    الركراكي: التعادل أمام مالي كان محبطًا لكنه سيكون مفيدًا مستقبلاً    التشكيلة المحتملة للمنتخب التونسي في مواجهة نيجيريا    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    تنفيذا لقرار قضائي.. إخلاء القصر السياحي بمدنين    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    مانشستر يونايتد يتقدم إلى المركز الخامس بفوزه 1-صفر على نيوكاسل    طقس السبت.. انخفاض نسبي في درجات الحرارة    ألمانيا.. الأمن يطلق النار على مريض بالمستشفى هددهم بمقص    فرنسا.. تفكيك شبكة متخصصة في سرقة الأسلحة والسيارات الفارهة عبر الحدود مع سويسرا    مزاجك متعكّر؟ جرّب هذه العادات اليومية السريعة    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    استراحة الويكاند    الإتفاق خلال جلسة عمل مشتركة بين وزارتي السياحة والفلاحة على إحداث لجنة عمل مشتركة وقارة تتولى إقتراح أفكار ترويجية ومتابعة تنفيذها على مدار السنة    نشرة متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..#خبر_عاجل    قرقنة تكشف مخزونها التراثي: الحرف الأصيلة تحول إلى مشاريع تنموية    الأحوال الجوية: وضع ولايات تونس الكبرى ونابل وزغوان وسوسة تحت اليقظة البرتقالية    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    أيام القنطاوي السينمائية: ندوة بعنوان "مالذي تستطيعه السينما العربية أمام العولمة؟"    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    الكاف : عودة الروح إلى مهرجان صليحة للموسيقى التونسية    القيروان: حجز كمية من المواد الغذائية الفاسدة بمحل لبيع الحليب ومشتقاته    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    استدرجها ثم اغتصبها وانهى حياتها/ جريمة مقتل طالبة برواد: القضاء يصدر حكمه..#خبر_عاجل    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لْمَ الشابي أبدا
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

على مشارف السبعين بعد موته يفترض ان يكون القول في الشابي متعسرا ومخاض الكلمات صعبا متعثرا، ويفترض ان نكون قد استوفينا فيه القول والقول على القول وليس ذلك لأن الفترة الزمنية طويلة «والأدب أطول عمرا من الزمن» وإنما لأن أبا القاسم استأثر بالكم الأوفر من الدراسات المتعلقة بالشعراء التونسيين وقد أحاطت هذه الدراسات تقريبا بكل كونه الشعري الذاتي ولم نستبق ركنا الا اقتحمته وقد يكون الشابي طغى بمرور الزمن فتضاعفت مكانته لحجب مكانة غيره... بل أننا لا نجانب الصواب اذا قلنا ان شعراءنا اليوم ومنذ الأمس يتبرمون بهذه المكانة وإن سرا ويضيقون بها أحايين عديدة وبهم توق لمواجهة الشمس هم أيضا في مدار مستقل عن مدار الشابي فلا يدخلون منطقة الظل عندما يذكر في المجالس وقد نقر مع البعض ان الشابي ليس بذلك الزخم البلاغي الذي يتوفر عليه البعض من شعرائنا مثل الوهايبي والغزي والماجري الخ... وتلك القدرة الهائلة في توليد المعاني وتنوعها فضلا عن انه لم يستفد مما... وجد بعده من تجارب وتقنيات قولية متنوعة... رغم ذلك يبقى الشابي حاضرا... ليس باعتباره ذكرى شاعر ملأ زمنا وكان علامة من علاماته وإنما باعتباره حاضرا حيا أبدا وهنا مكمن الحيرة... لم استمر الشابي وانطفأ آخرون لم يتوهج ابو القاسم باستمرار والبعض رغم قدراتهم لا يتوهجون؟ وان فعلوا فقليل ثم يخبئون... هل لاننا فقط شعب يعشق العيش في الماضي كلما مر الزمن شيدنا له نصبا واكتسبت تجاربه قداسة لم تكن لها وحظوة لم تطمح اليها؟ ام لان الشابي استطاع في فترة ما كسر طوق المحلية وانفتح امام المشرق العربي فحقت له القيادة في تونس واستأثر بالحب الأول...؟ ام ان في الامر سرا يتجاوز هذه المقولات...؟ ما حملني على الخوض في الشابي نص استوقفني وانا اتصفح ديوانه الصادر عن دار العودة بيروت بتقديم ودراسة للدكتور عزالدين اسماعيل وهو نص يمكن ان يكشف عن بعض أسباب استمرار الشابي «فلسفة الثعبان المقدس» نص استكمله الشابي في أوت 34 قبل شهرين من وفاته تقريبا ان قرأته سكنك دون استئذان فقط لانه ينبعث منك... لأنه لسانك وأفكارك وأشياء منك وأعتقد ان للنص مسوغات ذاتية وخارجية جعلت منه حيا...
فأما المسوغات الذاتية فتتعلق بتشكل النص الشعري الذي ينبني أساسا على القص وهو امر يغري المتلقي باستكمال القصة متى بدأت ويبدو ان الذائفة العربية الشفوية لبثت متواصلة وان كان النص مكتوبا «والمعلوم ان اسمار العرب قديما كانت تقوم على الحكاية والحكاية المثلية رغم غياب النصوص الموثقة ولهذا الموضوع مدار آخر للحديث».
والنصوص القصصية الشعرية ما فتئت دائما أجرى في الاسماع وأقرب الى الحافظة ولا يتعلق الحديث هنا بإتقان او فحولة في القول الشعري أو بتمكن من مدارات البلاغة لان الابداع امر والانتشار أمر آخر... وعمر بن أبي ربيعة بالأمس لم يكن ارقى من تحدث في الغرل بين معاصريه ونزار قباني اليوم ليس أكثر من تمكن من مدارات القول بين معاصريه وإنما هو أيضا جريان القصة عندهما جعل أشعارهما أجرى على الألسن. وهو خاصة توظيف الحوار داخل النص الشعري ما جعله أكثر حيوية وتوهجا.
والشابي قد استثمر هذه النقطة فكثف الحوار بين الشخصيات في نصوصه المختلفة ونجده في قصيدة «فلسفة الثعبان المقدس» يؤطر زمانا ومكانا قبل ان يقدم شخصياته ويجري حواره.
كأن الربيع الحي روحا حالما *** غض الشباب معطر الجلباب
يمشي على الدنيا بفكرة شاعر *** ويطوفها في موكب خلاب
والأفق يملأه الحنان كأنه *** قلب الوجود المنتج الوهاب
والكون من طهر الحياة كأنها *** هو معبد والغاب كالمحراب
وتجد الشاعر الراوي يوجه القارئ من خلال المعجم الى التفاعل مع الشخصيات سلبا وإيجابا فيتعاطف مع الشحرور المنشد المقبل على الحياة:
والشاعر الشحرور يرقص منشدا للشمس فوق الورود والأعشاب.
شعر السعادة والسلام ونفسه *** سكرى بسحر العالم الخلاب
ويحذر المتلقي من الثعبان الذي يعمه المرح ويبطن الضغينة.
ورآه ثعبان الجبال فغمه *** ما فيه من مرح وفيض شباب
وانقض مضطعنا عليه *** كأنه سوط القضاء ولعثة الأرياب
ثم يتدفق الحوار ليجعلنا نقف على صراع بين القوي والضعيف ينسحب على التجربة الانسانية في اي زمن يشهد ظلما وتسلط البعض على البعض الآخر. وقد أكد الدكتور عزالدين اسماعيل ان الحوار يمكن ان يشيء بما نعيشه من احداث وعلاقات سياسية بين الشرق والغرب يقول: «نتحدث اليوم سياسة الغرب الى الشعوب الضعيفة بلغة الشعر والأحلام حيثما تحاول ان تسوغ طريقتها في ابتلاعها والعمل لشكل ميزاتها القومية فتسميها الادماج. يمكن ان تدمج أيضا ضمن المستويات الذاتية الابيات الحكمية التي يسهل حفظها تختزل في ذاتها كما هائلا من المنطق والتجربة وقد سار الشابي في ذلك على هدي الأولين الذين لا تكاد تخلو قصائدهم من أبيات حكمية تختزل تجاربهم ومعتقداتهم وثوابتهم وهذه الأبيات أثبت في الحافظة وأدعى للترديد. وإذا قمنا بجرد سريع لذاكرتنا وجدنا أغلب حفظنا أبيات حكمية تدعم حضورها مع مرور الزمن من قبيل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى *** ما الحب الا للحبيب الأول
أو: ما كل ما يتمنى المرء يدركه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
و: اذا رأيت نيوب الليث بارزة *** فلا تظنن أن الليث يبتسم
وغيرها من الأبيات التي عجت بها الذاكرة العربية استثمرتها في مجالات حياتها المختلفة.
والشابي في توظيفه لهذه التقنية انما يجعل نصوصه للاستحضار أبدا يقول في فلسفة الثعبان المقدس.
لا عدل الا اذا تعادلت القوى *** وتصادم الارهاب بالارهاب
لا ارى للحق الضعيف ولا صدى *** والرأي رأي القاهر الغلاب
وكذاك تتخذ المظالم منطقا *** عذبا لتخفي سوءة الأرانب
أما المسوغات الخارجية فهي ترتبط بأوضاع عربية لم يكن الشابي حقيقة مسؤولا عنها... ولو عدنا الى مقولة عزالدين اسماعيل السالفة الذكر للمسنا في خطابه معايشة الشابي للحاضر رغم مرور زمن عن وفاته... وقد لا أكون من المناصرين لسحب نقد كتب في فترة زمنية لها خصائصها على فترة أخرى تختلف عنها غير ان الحوار الذي أرساه الشابي بين الشحرور والثعبان يقوض مفهوم الزمن ويجعلنا نزداد ادراكا للدوامة التي نتخبط فيها.
فالشحرور يصرخ: ماذا جنيت أنا فحق عقابي. شأن أي مواطن عربي يعايش ما يحدث في فلسطين او في العراق فضلا عمن يعيش في هذين الجزأين من الوطن: ويستدرك الشحرور قائلا:
لا شيء: إلا أنني متغزل *** بالكائنات مغرد في غابي
ثم يبدي حيرته: أيعد هذا في الوجود جريمة = أين العدالة يا رفاق شبابي.
ليستنتج في النهاية ان القضية أبعد من أن تتعلق بالقيم الانسانية بل إن:
«و» سعادة الضعفاء جرم... ما له *** عند القوي سوى أشد عقاب
الى أين؟ فالشرع المقدس ها هنا *** رأي القوي وفكرة الغلاب
ويصل الشابي على زيف ما يروج له من مقولات أحق ان يعبر عنها اليوم فنحن نعيشها ونعايشها يقول:
ان السلام حقيقة مكذوبة.. والعدل فلسفة اللهيب الخابي
ويرد الثعبان بخطاب يستثمر كل الأغطية الشرعية، ويستمد من القداسة لباسا يتخفى فيه فيدعو ضحيته الى التوحد في لقاء تصوفي لا يبقى في الأخير غير القوي ويؤكد الثعبان انه الاله الأوحد «القطب الواحد والعولمة الجديدة» يخشاه الناس قبل ان يجلوه.
وسعادة النفس التقية أنها يوما تكون ضحية الأرباب
... أفلا يسرك ان تكون ضحيتي فتحل في لحمي وفي أعصابي
ويخلص الشحرور في الأخير الى أنه:
لا أرى للحق الضعيف و لا صدى *** والرأي رأي القاهر الغلاب
ان هذا النص كما ورد في الديوان كتب سنة 1934 ولكنه قادر أن يكون مواكبا لما تعيشه الأمة في هذا الطور الغريب من تاريخها وكأنه لم تمض سبعون سنة. ربما هنا يكمن تميز الشابي فقد لبث متوهج الكلمة، جريئا... كتب للتجربة الانسانية فاستمرت أعماله متجددة بتواصل الحياة البشرية، وقد تكون التجربة العربية نفسها هي التي أرادت للشابي ان يكون حاضرا بعمق في حاضرها كما في ماضيها ذلك انها رفضت ان تغير ما بنفسها ولبثت أسيرة النكسات وظلم الظالم ولم ترق الى إرادة الحياة إن في مستوى النص. أو في مستوى الممارسة وهذه ليست خطيئة الشابي في كل الأحوال.
بقلم سعدية بن سالم
أستاذة لغة عربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.