باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    حرب الاستخبارات تتوسّع بقصف قاعدة العمليات الرقمية: اختراق كاميرات المراقبة وكشف مواقع الموساد يربك الصهاينة    كاس العالم للاندية 2025: فلامنغو البرازيلي يفوز على تشلسي الانقليزي 3-1    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية U17 : منتخب الإناث يُقصى من ربع النهائي والذكور يضمنون التأهل بمواجهة منتظرة أمام المجر    وزير الإقتصاد: رغم الصدمات الداخلية والخارجية لا يزال الاقتصاد الوطني جاذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة    بلاغ جديد من النجم الرياضي الساحلي    وزير الخارجية يشارك في أشغال الدورة 51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي    تسجيل 3،2 مليار دينار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس لكامل 2024    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    وزارة الصحة تجدد دعوة الأطباء المقيمين إلى اختيار مراكز العمل    الترجي يعود لزيه التقليدي في مواجهة مصيرية ضد لوس أنجلوس في كأس العالم للأندية 2025    طبربة: إيداع مربي نحل السجن من أجل تسببه في حريق غابي    قابس: أكثر من 250 مشاركا في الدورة 41 لمعرض قابس الدولي    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    اختتام مشروع "البحر الأزرق هود"    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    زيارة وفد نيابي الى المركب الصحي بجبل الوسط: تراجع خدمات المركب بسبب صعوبات عدة منها نقص الموارد البشرية وضعف الميزانية والايرادات    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    وائل نوار: الرهان المستقبلي لقافلة الصمود حشد مئات الآلاف والتوجه مجددا لكسر الحصار    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    إزالة مخيم ''العشي'' للمهاجرين في العامرة..التفاصيل    وزير السياحة يؤدي زيارة إلى ولاية جندوبة    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    هجمات اسرائيل على ايران: السعودية تحذّر.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    إيران تخترق كاميرات المراقبة الخاصّة بالإسرائيليين.. #خبر_عاجل    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يتعاقد مع المدرب "محمد الكوكي" (صور)    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    عاجل: موسكو تتوعّد برد قاسٍ إذا استُخدمت أسلحة نووية ضد إيران    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لْمَ الشابي أبدا
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

على مشارف السبعين بعد موته يفترض ان يكون القول في الشابي متعسرا ومخاض الكلمات صعبا متعثرا، ويفترض ان نكون قد استوفينا فيه القول والقول على القول وليس ذلك لأن الفترة الزمنية طويلة «والأدب أطول عمرا من الزمن» وإنما لأن أبا القاسم استأثر بالكم الأوفر من الدراسات المتعلقة بالشعراء التونسيين وقد أحاطت هذه الدراسات تقريبا بكل كونه الشعري الذاتي ولم نستبق ركنا الا اقتحمته وقد يكون الشابي طغى بمرور الزمن فتضاعفت مكانته لحجب مكانة غيره... بل أننا لا نجانب الصواب اذا قلنا ان شعراءنا اليوم ومنذ الأمس يتبرمون بهذه المكانة وإن سرا ويضيقون بها أحايين عديدة وبهم توق لمواجهة الشمس هم أيضا في مدار مستقل عن مدار الشابي فلا يدخلون منطقة الظل عندما يذكر في المجالس وقد نقر مع البعض ان الشابي ليس بذلك الزخم البلاغي الذي يتوفر عليه البعض من شعرائنا مثل الوهايبي والغزي والماجري الخ... وتلك القدرة الهائلة في توليد المعاني وتنوعها فضلا عن انه لم يستفد مما... وجد بعده من تجارب وتقنيات قولية متنوعة... رغم ذلك يبقى الشابي حاضرا... ليس باعتباره ذكرى شاعر ملأ زمنا وكان علامة من علاماته وإنما باعتباره حاضرا حيا أبدا وهنا مكمن الحيرة... لم استمر الشابي وانطفأ آخرون لم يتوهج ابو القاسم باستمرار والبعض رغم قدراتهم لا يتوهجون؟ وان فعلوا فقليل ثم يخبئون... هل لاننا فقط شعب يعشق العيش في الماضي كلما مر الزمن شيدنا له نصبا واكتسبت تجاربه قداسة لم تكن لها وحظوة لم تطمح اليها؟ ام لان الشابي استطاع في فترة ما كسر طوق المحلية وانفتح امام المشرق العربي فحقت له القيادة في تونس واستأثر بالحب الأول...؟ ام ان في الامر سرا يتجاوز هذه المقولات...؟ ما حملني على الخوض في الشابي نص استوقفني وانا اتصفح ديوانه الصادر عن دار العودة بيروت بتقديم ودراسة للدكتور عزالدين اسماعيل وهو نص يمكن ان يكشف عن بعض أسباب استمرار الشابي «فلسفة الثعبان المقدس» نص استكمله الشابي في أوت 34 قبل شهرين من وفاته تقريبا ان قرأته سكنك دون استئذان فقط لانه ينبعث منك... لأنه لسانك وأفكارك وأشياء منك وأعتقد ان للنص مسوغات ذاتية وخارجية جعلت منه حيا...
فأما المسوغات الذاتية فتتعلق بتشكل النص الشعري الذي ينبني أساسا على القص وهو امر يغري المتلقي باستكمال القصة متى بدأت ويبدو ان الذائفة العربية الشفوية لبثت متواصلة وان كان النص مكتوبا «والمعلوم ان اسمار العرب قديما كانت تقوم على الحكاية والحكاية المثلية رغم غياب النصوص الموثقة ولهذا الموضوع مدار آخر للحديث».
والنصوص القصصية الشعرية ما فتئت دائما أجرى في الاسماع وأقرب الى الحافظة ولا يتعلق الحديث هنا بإتقان او فحولة في القول الشعري أو بتمكن من مدارات البلاغة لان الابداع امر والانتشار أمر آخر... وعمر بن أبي ربيعة بالأمس لم يكن ارقى من تحدث في الغرل بين معاصريه ونزار قباني اليوم ليس أكثر من تمكن من مدارات القول بين معاصريه وإنما هو أيضا جريان القصة عندهما جعل أشعارهما أجرى على الألسن. وهو خاصة توظيف الحوار داخل النص الشعري ما جعله أكثر حيوية وتوهجا.
والشابي قد استثمر هذه النقطة فكثف الحوار بين الشخصيات في نصوصه المختلفة ونجده في قصيدة «فلسفة الثعبان المقدس» يؤطر زمانا ومكانا قبل ان يقدم شخصياته ويجري حواره.
كأن الربيع الحي روحا حالما *** غض الشباب معطر الجلباب
يمشي على الدنيا بفكرة شاعر *** ويطوفها في موكب خلاب
والأفق يملأه الحنان كأنه *** قلب الوجود المنتج الوهاب
والكون من طهر الحياة كأنها *** هو معبد والغاب كالمحراب
وتجد الشاعر الراوي يوجه القارئ من خلال المعجم الى التفاعل مع الشخصيات سلبا وإيجابا فيتعاطف مع الشحرور المنشد المقبل على الحياة:
والشاعر الشحرور يرقص منشدا للشمس فوق الورود والأعشاب.
شعر السعادة والسلام ونفسه *** سكرى بسحر العالم الخلاب
ويحذر المتلقي من الثعبان الذي يعمه المرح ويبطن الضغينة.
ورآه ثعبان الجبال فغمه *** ما فيه من مرح وفيض شباب
وانقض مضطعنا عليه *** كأنه سوط القضاء ولعثة الأرياب
ثم يتدفق الحوار ليجعلنا نقف على صراع بين القوي والضعيف ينسحب على التجربة الانسانية في اي زمن يشهد ظلما وتسلط البعض على البعض الآخر. وقد أكد الدكتور عزالدين اسماعيل ان الحوار يمكن ان يشيء بما نعيشه من احداث وعلاقات سياسية بين الشرق والغرب يقول: «نتحدث اليوم سياسة الغرب الى الشعوب الضعيفة بلغة الشعر والأحلام حيثما تحاول ان تسوغ طريقتها في ابتلاعها والعمل لشكل ميزاتها القومية فتسميها الادماج. يمكن ان تدمج أيضا ضمن المستويات الذاتية الابيات الحكمية التي يسهل حفظها تختزل في ذاتها كما هائلا من المنطق والتجربة وقد سار الشابي في ذلك على هدي الأولين الذين لا تكاد تخلو قصائدهم من أبيات حكمية تختزل تجاربهم ومعتقداتهم وثوابتهم وهذه الأبيات أثبت في الحافظة وأدعى للترديد. وإذا قمنا بجرد سريع لذاكرتنا وجدنا أغلب حفظنا أبيات حكمية تدعم حضورها مع مرور الزمن من قبيل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى *** ما الحب الا للحبيب الأول
أو: ما كل ما يتمنى المرء يدركه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
و: اذا رأيت نيوب الليث بارزة *** فلا تظنن أن الليث يبتسم
وغيرها من الأبيات التي عجت بها الذاكرة العربية استثمرتها في مجالات حياتها المختلفة.
والشابي في توظيفه لهذه التقنية انما يجعل نصوصه للاستحضار أبدا يقول في فلسفة الثعبان المقدس.
لا عدل الا اذا تعادلت القوى *** وتصادم الارهاب بالارهاب
لا ارى للحق الضعيف ولا صدى *** والرأي رأي القاهر الغلاب
وكذاك تتخذ المظالم منطقا *** عذبا لتخفي سوءة الأرانب
أما المسوغات الخارجية فهي ترتبط بأوضاع عربية لم يكن الشابي حقيقة مسؤولا عنها... ولو عدنا الى مقولة عزالدين اسماعيل السالفة الذكر للمسنا في خطابه معايشة الشابي للحاضر رغم مرور زمن عن وفاته... وقد لا أكون من المناصرين لسحب نقد كتب في فترة زمنية لها خصائصها على فترة أخرى تختلف عنها غير ان الحوار الذي أرساه الشابي بين الشحرور والثعبان يقوض مفهوم الزمن ويجعلنا نزداد ادراكا للدوامة التي نتخبط فيها.
فالشحرور يصرخ: ماذا جنيت أنا فحق عقابي. شأن أي مواطن عربي يعايش ما يحدث في فلسطين او في العراق فضلا عمن يعيش في هذين الجزأين من الوطن: ويستدرك الشحرور قائلا:
لا شيء: إلا أنني متغزل *** بالكائنات مغرد في غابي
ثم يبدي حيرته: أيعد هذا في الوجود جريمة = أين العدالة يا رفاق شبابي.
ليستنتج في النهاية ان القضية أبعد من أن تتعلق بالقيم الانسانية بل إن:
«و» سعادة الضعفاء جرم... ما له *** عند القوي سوى أشد عقاب
الى أين؟ فالشرع المقدس ها هنا *** رأي القوي وفكرة الغلاب
ويصل الشابي على زيف ما يروج له من مقولات أحق ان يعبر عنها اليوم فنحن نعيشها ونعايشها يقول:
ان السلام حقيقة مكذوبة.. والعدل فلسفة اللهيب الخابي
ويرد الثعبان بخطاب يستثمر كل الأغطية الشرعية، ويستمد من القداسة لباسا يتخفى فيه فيدعو ضحيته الى التوحد في لقاء تصوفي لا يبقى في الأخير غير القوي ويؤكد الثعبان انه الاله الأوحد «القطب الواحد والعولمة الجديدة» يخشاه الناس قبل ان يجلوه.
وسعادة النفس التقية أنها يوما تكون ضحية الأرباب
... أفلا يسرك ان تكون ضحيتي فتحل في لحمي وفي أعصابي
ويخلص الشحرور في الأخير الى أنه:
لا أرى للحق الضعيف و لا صدى *** والرأي رأي القاهر الغلاب
ان هذا النص كما ورد في الديوان كتب سنة 1934 ولكنه قادر أن يكون مواكبا لما تعيشه الأمة في هذا الطور الغريب من تاريخها وكأنه لم تمض سبعون سنة. ربما هنا يكمن تميز الشابي فقد لبث متوهج الكلمة، جريئا... كتب للتجربة الانسانية فاستمرت أعماله متجددة بتواصل الحياة البشرية، وقد تكون التجربة العربية نفسها هي التي أرادت للشابي ان يكون حاضرا بعمق في حاضرها كما في ماضيها ذلك انها رفضت ان تغير ما بنفسها ولبثت أسيرة النكسات وظلم الظالم ولم ترق الى إرادة الحياة إن في مستوى النص. أو في مستوى الممارسة وهذه ليست خطيئة الشابي في كل الأحوال.
بقلم سعدية بن سالم
أستاذة لغة عربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.