احتضنت دار الثقافة ابن خلدون المغاربية صباح أمس، ندوة فكرية حول النقطة 20 من المحور الثامن عشر للبرنامج الانتخابي لرئيس الدولة «نشاط ثقافي جهوي متعدد الألوان حسب خصوصية كل جهة»، نظمتها المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بولاية تونس تحت إشراف وزارة الثقافة والمحافظة على التراث وولاية تونس. وقد عرفت هذه الندوة حضور عدد هام من أعضاء اللجان الثقافية المحلية ومديري المؤسسات الثقافية وممثلين عن الجمعيات الناشطة والفاعلة في الوسط الثقافي الجهوي، وبعض الممثلين على غرار «جميلة الشيحي» و«نعيمة الجاني».. الندوة ترأسها ونشطها السيد «محمد الهادي الجويني» المندوب الجهوي للثقافة والمحافظة على التراث، والذي أكد في مستهل كلمته المكاسب الهامة التي جاءت بها النقطة 20 من المحور الثامن عشر للبرنامج الانتخابي للرئيس زين العابدين بن علي، والتي يجب تفعيلها على أرض الواقع وتجاوز النقائص الممكنة في النشاط الثقافي في جهات ولاية تونس على حدّ تعبير السيد محمد الهادي الجويني. «الفايس بوك» والثقافة الليلية... وقد تضمّنت الندوة مجموعة من المداخلات والتدخلات منها القيّمة ومنها العادية، كل حسبما جادت به قريحته ومن أبرز المداخلات الأولى، تلك التي قدمها الاعلامي «أحمد عامر»، والتي ركّز خلالها على كيفية التصدّي الى ثقافة شبابية جديدة هي ثقافة «الفايس بوك» والتي قال عنها انها ثقافة هامشية وليلية. وتساءل بالمناسبة: «هل سألنا شبابنا عن مفاتيح الثقافة الليلية؟!» و«هل هذه الثقافة هي التي أحدثت القطيعة بين الثقافة العادية والشباب؟!». الشباب مثّل محور النقاش من حيث علاقته بالثقافة، والجهات كذلك، وقد أكد أغلب المتدخلين أن ولاية تونس تتميّز بكونها تتضمّن تنوعا مجتمعيا باعتبار أن سكانها من ولايات مختلفة ومتنوعة. الاعلامي أحمد عامر أشار في كلمته الى أن جهة تونس هي الأكثر حظوة من حيث عدد مهرجاناتها والذي بلغ حوالي 50 مهرجانا على حدّ تعبيره، لكن لهذه الجهة (تونس) خصوصياتها وقال في هذا السياق: «لقد وصلنا الى التخصّص في الخصوصيات..» واستعرض في هذا الصدد، الخصوصيات المسرحية التي أرستها دار الثقافة ابن رشيق بإدارة المسرحي حمادي المزّي، وأضاف أن مجموعة من دور الثقافة نجحت في إرساء ثقافة جادة تستقطب الشباب. رؤية جديدة المسرحي «حمادي المزّي» كان حاضرا في الندوة، فأشار في تدخله الى مجموعة نقاط وتوصيات برؤية معاصرة ومواكبة للحداثة والتغيير، كانت منطلقا وحافزا لبعض المتدخلين لعرض آرائهم بتعمّق وتحليل هام، ومن ضمن ما أشار له المزّي، حاجة مثل هذه الندوات الى علماء اجتماع وعلماء نفس وعلماء اللغة.. من أجل تدعيم الحوار والتوصيات بالمقومات العلمية التي من شأنها إثراء الحوار. وقدّم مخرج «حقّ الردّ» مجموعة من التوصيات تتمثل أساسا في تأهيل الفضاءات الثقافية وتأهيل الفنيين، ودعم الفضاءات الثقافية لوجستيكيا وماديا كما جاء على لسانه، بالاضافة الى خلق شراكة بين بلدية تونس وبقية الوزارات. وفي خاتمة تدخله تساءل المزي عن دور وزارة التعليم العالي في القطاع الثقافي فقال: «ملياران خصّصتهما وزارة التعليم العالي للنشاط الثقافي.. الى ماذا أفضيا وما هي تجلياتهما..؟». أيّ دور للأطراف الأخرى المعنية بالثقافة؟ مداخلة المسرحي حمادي المزّي أثرت الحوار، وتجلّى ذلك خاصة في تدخل المسرحي «منصف السويسي» الذي شدّد على أنه لا يمكن إنكار مجهود الأفراد والمجهود الكبير لوزارة الثقافة والمحافظة على التراث، مضيفا أن تونس خلافا لبعض الدول: «ليست لدينا أموال كثيرة لكن لنا طاقات بشرية هامة وحسن تصرّف.. ولكن هذا لا يكفي..» والكلام للمنصف السويسي. هذا الكلام دعا بالمسرحي التونسي للتساؤل: «أي دور للأطراف الأخرى المعنية بالثقافة؟» مشيرا في ذات الصدد الى أن وزارة الاشراف ليس بوسعها أن تفعل أكثر مما فعلته، لكنه عاد الى التساؤل من جديد على طريقته: «ماذا تفعل البنوك مثلا، والحال أن الشأن الثقافي شأن مشترك ومسؤولية الجميع؟!».. كما شدّد السويسي على أن «تونس منارة ثقافية على الدوام» لكنه أكد أن الحفاظ على هذا المكسب الثقافي أو ضمان الحفاظ عليه يستوجب قيام المؤسسات الاقتصادية بدورها في القطاع الثقافي واعتبر هذه الأطراف المتحدث عنها مستقيلة استقالة فعلية عن الثقافة ومن دون تحرّكها ستبقى التوصيات مجرّد حبر على ورق. نشاط ثقافي خارج الفضاءات وقد حضرت الندوة السيدة نجاة فخفاخ المهتمة بالشأن الثقافي ببلدية تونس، وقدمت بالمناسبة مجموعة اقتراحات وتوصيات، لعل أبرزها، أن لا يقتصر النشاط الثقافي على الفضاءات الثقافية، وأن يكون خارجها في الحدائق والساحات العمومية، مشيرة الى أن هذا الاقتراح يساهم في جلب الشباب، وقالت في هذا الاطار: «إذا لم يتجه الشباب الى الثقافة.. الثقافة تتجه نحوه (الشباب)». اللجان الثقافية؟! «اللّجان الثقافية؟.. نقطة استفهام» من ضمن الاشكاليات التي طرحتها الندوة، وجاء هذا الاستفهام على لسان السيد عبد الرحيم اليانڤي الذي تساءل ما هي؟ وما دورها؟ (اللجان الثقافية). كما أشار اليانڤي الى أن المواطن في مدينة تونس يعيش في الشارع أكثر مما يعيش في منزله ومن خلال ما أشار إليه في مداخلته طرح عديد التساؤلات منها: «أين النشاط الثقافي داخل المؤسسات التربوية؟!.. أين المسرح المدرسي؟!.. أين نوادي الأطفال؟!..». عموما الندوة طرحت عديد الاشكاليات والنقاط السلبية التي يجب تجاوزها، وممكن تجاوزها، وهي تخدم النقطة 20 من المحور الثامن عشر للبرنامج الانتخابي لرئيس الدولة ولا تتعارض معه البتة، على أمل أن تجد تحرّكات من بقية الأطراف التي ترى نفسها غير معنية بالثقافة في حين أن الحقيقة غير ذلك.