من ينبش في تاريخ الماضي القريب يقفز إلى ذهنه اسم جمال ليمام أو «دجو» كما يحلو لأكثر الذين عاشروه تسميته قبل أن يعرف بهذا الاسم في كل الأوساط الرياضية بالبلاد... هذا اللاعب كان أول المحترفين بأوروبا من الجيل الجديد بعد أن سبق لبوجمعة الكميتي ونورالدين ديوة وتوفيق بلغيث وتميم وحمادي هنية وغيرهم خوض التجربة قبله بكثير... نتيجة لإبداعاته الكروية المميزة التي تمنع المشاهدين وتذكرهم بأمجاد الكرة التونسية سواء عندما كان في الملعب التونسي الذي نشأ وترعرع فيه أو في «ستنادار دي لياج» البلجيكي أو في النادي الإفريقي فضلا عن المنتخب الوطني الذي ساهم في صنع نجاحاته في عديد المناسبات... التقيناه دون موعد فتحدثنا معه عن المنتخب الوطني الذي ترك حسرة عميقة في قلوب التونسيين إثر إخفاقه في الموزمبيق وأيضا بعد فشله في التأهل للدور الثاني لنهائيات كأس إفريقيا للأمم بأنغولا فكان الحديث معه كالآتي: لو نبدأ بالمنتخب الوطني وإخفاقه حتى في التأهل للدور الثاني في «كان» أنغولا وخروجه بالمرتبة الأخيرة في مجموعته.. فماذا تقول؟ في البداية لا بد لنا أن نؤكد أن الانطلاق كان على خطإ... وباطلا... وبالتالي فما بُني على باطل يبقى باطلا.. خاصة أننا دخلنا الدورة (27) لنهائيات كأس إفريقيا للأمم دون برمجة ولاتخطيط ولا أي شيء حيث غابت التربصات الجدية والمباريات الودية التي يمكن الوقوف فيها على حقيقة الإمكانات وتدارك السلبيات وغيرها... وعندها غاب التماسك والتكامل بين مختلف أطراف الخطوط في الفريق، فكان الانسحاب الذي يمكن الإشارة إلى أنه لم يكن بعد لقاء الكامرون بقدر ما كان إثر مباراة زمبيا... وبعدها وبأكثر وضوح كان إثر لقاء الغابون... إذن كنت تنتظر هذا الإخفاق؟ رغم أنني تمنيت النجاح ككل تونسي لفريقنا الوطني فإنني والحق يقال كنت أنتظر هذا الإخفاق باعتبار الأجواء والظروف وضعف البطولة الوطنية وأيضا قلة خبرة الإطار الفني في التظاهرات القارية ومثله اللاعبين... وعلينا قبول الأمر الواقع دون أن نحاسب فوزي البنزرتي ولا أبناءه باعتبار أن ما وصلنا إليه هو نتيجة لتراكمات متلبدة في المشهد الكروي ورواسب كبيرة وعميقة يمكن التأكيد على أنها بدأت منذ حصولنا على اللقب القاري في تونس سنة 2004 حين اعتقدنا أننا «كبرنا» وأصبحنا في مستوى مرموق للغاية والحال أن المنطق كان يفرض التقييم العلمي والعقلاني بعد كل تظاهرة حتى لا يغطي النجاح العيوب ويكون بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة... وبذلك أعود لأشير إلى أن التراجع سجلناه منذ سنة 2004 وشيئا فشيئا أصبح هذا التراجع كبيرا جدا.. جدا.. وأصبحت «الإعاقة» الكروية واضحة على مستوى المنتخب وأيضا على مستوى الأندية التي لم نعد نراها في التظاهرات الإفريقية وعندها أصبحت حالة كرتنا لا تليق بنا ولا بتاريخنا... بعضهم كان يعلق الآمال على أسامة الدراجي ويوسف المساكني وطموح بقية العناصر الشابة هذا أيضا خطأ باعتبار أن الدراجي تنقصه الخبرة.. كما تنقص المساكني وغيره وخاصة في المشاركات القارية وفي المقابل لا نجد العناصر التي تتمتع بخبرة كبيرة في الفريق والقادرة على شد أزر الشبان وخلق التماسك والتكامل في صفوف المنتخب حتى تُجمع الخبرة بالطموح... هذا دون التحدث عن الإصابات التي حالت دون مشاركة الدراجي مثلا أو المساكني وبالتالي لو كان في فريقنا عناصر الخبرة والتكامل لربما كانت الفرصة مواتية لتألق الثنائي الدراجي والمساكني ولكن تجري الرياح بما لا نشتهيه جميعا... وأذكر في هذا المجال أنني وعندما تم إقحامي في صفوف الفريق الوطني في سنة 1989 مثلا وجدت إلى جانبي نجوما في حجم طارق ذياب وعبد الحميد الهرقال والأسعد العبدلي وغيرهم وبهم صلب عودي ووجدت الأريحية في البروز... والآن.. وقد انتهى الدرس.. ماذا تقترح للبحث عن دواء شاف لمعالجة وضع منتخبنا الوطني؟ أعتقد أن الإعداد يجب أن يكون منذ الآن لمونديال 2014 بالبرازيل بعد التقييم العلمي والعقلاني وتشريك مختلف الأخصائيين والخبراء وخاصة من الذين مارسوا اللعبة وتوغلوا في ثناياها بعمق باعتبار أن الكرة ل«الكوارجية» والحلول لن تأتي إلا منهم كما يجب أن تكون بطولتنا قوية ومشهدنا الكروي بكل تشريعاته ونصوصه وتجهيزاته سواء في الأندية أو في منتخبات الشبان يجب أن يخضع إلى العلم بعيدا عن «البعلي» والغش والابتزاز... كما يجب مراجعة الحسابات حتى لا تكون الحلول بمثابة المسكنات أو الترقيعية التي لا تفيد ولن تكون ناجعة بالمرة باعتبار أن معالجة الداء تتطلب التعمق وحتى العمليات الجراحية إذا تطلب الأمر ذلك... ولا ذر الرماد على الأعين. هل أنت مع الذين يعاتبون فوزي البنزرتي في خياراته؟ ليس لفوزي البنزرتي عصا سحرية لتغيير الأشياء بمثل هذه السرعة التي كان ينتظرها البعض... كما أنه والحق يقال ليس لفوزي الخبرة الكبيرة على مستوى المشاركات القارية كما ليس له اللاعبون الكبار من حجم بعض اللاعبين الأفارقة الآخرين... ولذلك لا بد لنا أن نترك لفوزي الوقت ونوفر له الفرص التي تجعله يتحمل مسؤوليته كاملة وذلك على كل الواجهات وبعدها يمكن محاسبته... لكن.. هناك من يؤكد أن المدرب يصنع الفريق واللاعبين؟ هذا صحيح... وليس العكس ويمكن الإشارة على سبيل الذكر ولا الحصر إلى مدرب الملعب التونسي «باتريك لوفيغ» الذي صنع فريقا في فترة صغيرة على الرغم من التفريط في البعض من أبرز لاعبيه... من المنتخب إلى جمال ليمام... هل تذكرنا بحادثة رفض رئيس الملعب التونسي التفريط في خدماتك لفائدة النجم الساحلي؟ مازلت أتذكر تلك الحادثة بكل تجلياتها حيث قدم رئيس جمعيتنا شرطا تعجيزيا لهيئة النجم يتمثل في مليار كامل في تلك الفترة إضافة إلى الفوز بخدمات زبير بية. وحادثة إبعادك عن التشكيلة في الفريق الوطني من طرف أحد المسؤولين حين كان لقاؤنا انذاك في الكامرون؟ هذا تاريخ... ولكنه ترجمة حقيقية أيضا لما يحصل في كرتنا التونسية منذ سنوات ولا من هذه الفترة بالذات لأعود مشيرا الى أنه وفي تلك الفترة تعرضت الى مظلمة مخجلة وعميقة في نفس الوقت حيث بعد توجيه الدعوة لي لأتحول الى الكامرون رفقة زملائي في المنتخب وبعد قطع آلاف الكيلومترات جوّا وبرّا قادما من «ستندار دي لياج» شاءت الظروف أن لا «أسلّم» على أحدهم وهو مسؤول بارز لأنني لم أره فأعتقد أنني تعمّدت ذلك قبل أن يتدخل لابعادي عن الصفوف.... وهذا دليل على أن كرتنا وطالما تتدخل فيها أطراف حتى على مستوى التشكيلة التي تمثل البلاد فإن وضعها لا يستقيم... وقديما قالوا: «لا يستقيم الظل والعود أعوج»، كما أنني تعرضت الى عديد المظالم الأخرى التي تؤكد أن كرتنا مريضة بسبب بعض الاشخاص. لكنك بعدها تحولت الى النادي الافريقي؟ ولست نادما على ذلك بالمرة باعتبار أنه فريق كبير ونالني شرف أكبر لتقمص زيّه وكسب الخبرة والتجربة فيه والحصول على الألقاب والمساهمة أيضا في تتويجاته... ويبقى الافريقي دائما وعلى مرّ السنين في القلب راسخا. والملعب التونسي... كيف تراه؟ هو فريقي المهد وهو الأم التي كرعت من مناهلها وصلب عودي بين ذراعيها وهو الفريق الذي يمكن التأكيد على أن العمل فيه حاليا كبير وجريء ومتّزن وناجع وذلك بفضل هيئته المديرة وإطاره الفني ولاعبيه وأحبائه... ويمكن الاشارة الى أنه وإذا واصل على نفس الوتيرة يعود الاعتبار الى حجمه وتعود معه التتويجات والاشعاع الذي يليق به وبعراقته ويمكن انتظاره. والتحاليل الفنية في مختلف القنوات التلفزية... كيف تراها؟ حتى لا أقول ما قد يحرج البعض أشير الى أن الكرة ل «الكوارجية» والتحاليل الفنية لها أصحابها ومن المفروض أن لا تصبح لكل من هبّ ودبّ حتىلا يختلط الحابل بالنابل وتصبح مؤثرة سلبا على كرتنا التونسية التي تعيش أزمة عميقة في الميادين والمكاتب وأيضا في الفضاءات الاخرى وأعتقد بالمناسبة ان التحليل لا يعني «التنبير» ولا تصفية الحسابات... وأن المسائل الكروية تبقى لأصحابها شأنها شأن المسائل الطبية تبقى للأطباء والهندسة للمهندسين والاعلام للاعلاميين. وأعوان الفيفا او المتعهدين الذين «يبيعون ويشترون» اللاعبين؟ هذه أيضا أزمة أخرى... ويوم يختلط الحابل بالنابل تختلط الاوراق وتتبعثر وبالتالي تؤثر كلها في المشهد الكروي سلبا... وبشكل عميق جدا... لو نعود ل «الكان»... من ترى حظوظه أوفر للتويج؟ أعتقد أن الدور الثاني تكثر فيه الحسابات في «الكان» باعتبار أن الانهزام يعني الانسحاب ومع ذلك فإنني أرى أن الأقرب للتتويج من المنتخبات هي مصر التي لها خبرتها في مثل هذه التظاهرات وأيضا الجزائر التي أتعاطف معها وأعتقد أنها قادرة على ذلك وأيضا الكوت ديفوار اذا تجاوزت الجزائر في الدور الثاني. ... ومسك الختام؟ أرجو من الله عز وجل أن يتحمل كل طرف من المشهد الكروي مسؤوليته كاملة وينقد ذاته واضعا مصلحة كرتنا التونسية فوق كل الاعتبارات الاخرى.