فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية لفريق فلامينغو في مواجهة الترجي    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    انطلاق عملية التدقيق الخارجي لتجديد شهادة الجودة بوزارة التجهيز والإسكان    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    انطلاق الحملة الانتخابية بدائرة بنزرت الشمالية    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    أخبار الحكومة    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    طقس الليلة    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    عاجل/ شخصية سياسية معروفة يكشف سبب رفضه المشاركة في "قافلة الصمود"    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    النادي الصفاقسي - الإتفاق على مواصلة الهيئة التسييرية المنتهية مدة نيابتها العمل خلال الفترة القادمة وإطلاق حملة "صوت الجمهور" للمساهمة في الخروج من الوضع المادي الدقيق    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد قلبي: التهكم والمفارقة
نشر في الشروق يوم 04 - 02 - 2010

ضحك في أوقات العسر وفي أويقات اليسر... خرجت ضحكته دائما صافية وكأنها تقول لنا إنها قادرة أن تنبت حتى في حصاد الهشيم. كانت الحياة بالنسبة اليه شيئا كقبض الريح فعاشها بجسارة ليضحك من الآخرين ومن نفسه، ثم ودعها وما غادرت لمحته، لا فكره ولا وجداننا. انتقل من الشعب الى الصباح ولكنه لم يتغير رغم تبدل العناوين والمقاصد. ظل هو نفسه يتصدر الصفحة الاولى ليطلع علينا مع الفجر بكلماته القليلة المشحونة تلك التي تسعدنا دائما، لانها تضحكنا من أنفسنا، ومما نحن فيه وأحيانا لا نراه. كان يتقن لغة التهكم تلك اللغة الواقعة في منطقة الحدود.
بين الحسي والاخلاقي بين المتعة والاعتبار. يجاهد في كلمات قليلة يوما بعد يوم من أجل أن ينبهنا الى المفارقة المضحكة المبكية بين افتقار الاشياء الى العقل والحكمة والنظام ودعواها الخارجية امتلاك كل ذلك. لقد أراد على مدى ثلاثين سنة أو أكثر أن يخرج هذه المفارقات المكبوتة الى النور وأن يعرضها ويفضحها بما تراكم لديه من حس لغوي مرهف تختلط فيه عربية بسيطة بعامية حين لا يكون هناك مناص من استعمالها أو حين تكون أحدّ أو أبلغ في إخراج المفارقة والتعبير عنها وفضحها. ويعلم كل من جرب هذا النوع من الكتابة من الصحافيين أو الأدباء أنها أحيانا تكتب عشرين مرة وتستعصي لأنها لم تستطع أن تسيطر على حدود «اللمحة» أو لم تستطع أن تصل منها الى أقصى تعبير عنها ذاك الذي يأخذك الى أعلى الطوابق ليلقي بك دفعة واحدة في فراغ لا معنى الاشياء أو الكلمات، أو تكتب أحيانا بلا تردد كأنها تحدس حدسا أو كأنها وحي يوحى. فإذا كان النص ملكا لقارئه وهو من خلال القراءة يعطيه كل طاقته الابداعية فإن هذا الحكم يصلح أكثر ما يصلح مع هذا النوع من الكتابة الذي لا يظهر إلا بقدر ما يخفي ويشفر الى أقصى ما يحتمله التشفير ليطلب من قارئه أن يشارك في صنعه من خلال فك شفرته أولا بعناية ولكن من خلال تحقق غاية ما يرجوه من نفسه ومن القارئ وهو أن يفتك منه بالرغم عنه أحيانا الضحكة التي يزرعها التهكم عندما يصدم أو يفاجأ. كان قرّاء الصحافة يقبلون عليه في جريدة «الشعب» أولا حيث كانت «حربوشته»، يغص بها البعض وتكاد تضيق بها حلوقهم أو يستعذب طعمها من يرون فيها تعبيرا عن همومهم وتنفيسا عن كربتهم ثم جاءت «اللمحة» بعد ذلك التي كان يقبل عليها المثقفون وغيرهم كما يقبلون على قراءة ما يكتبه معلم آخر في هذه الصنعة الصعبة التي لا يقدر عليها إلا القليلون وهو «روبار اسكربيت» في جريدة لوموند الفرنسية. بل لعل البعض كان يقارن بين لمحات قلبي وأيام «اسكربيت» عالم الاجتماع الشهير بل لعله أيضا كان يقال للفقيد أنه يتبع خطى «الرجل الكبير» فكان يجيب كما ذكر لي أحد أصدقائه أنه لا يمتح من غير الجاحظ في نكاته البارعة ولمحه الرشيقة لغة وإيحاء. انتقل من الحربوشة الى اللمحة ولكن كلماته ظلت دائما أقراصا منشطة لروح النقد فينا ذاك الذي يعجز عن تغيير الواقع فيضحك منه ومن عجزنا عن تغييره. نريد أن نقول في الاخير لأولئك الذين أدمنوا قراءته ولأولئك الذين حرموا منها أن تجربة عظيمة قد رحلت اليوم رحيل الامس الذي لا يعود... وإن أحد الذين يحملون القلم... ممن تداولت عليهم رزايا الكتابة... فعانوها هما شخصيا... وحدثونا عما نفهم وعما لا نفهم، قد ذهب الى ما لسنا ندري... لكنه ترك فينا حنينا الى لغته الضاحكة الباكية... «وداعا»... نقولها ونكاد لا نصدقها... نقولها ولسنا نبحث عن كلمة حزينة نرددها عند الطقوس الجنائزية... بيد أننا نحاكي بها ما حمل الفقيد في نفسه من حسرة كشف عنها وسترها تهكمك... ومن يتهكم غير من هزمه بؤس الواقع فصارع هزيمته بلغة تقصد أكثر مما تقول وتعني ما لا تلفظ؟ بأسلوبك يتمرد المدلول على الدال... وبما تركته فينا من ذكرى تتمرد الحياة على الموت... كتبت أمس عنا... يوم كنا فيك... وها نحن نكتبك اليوم رمزا... سيبقى فينا... رحل محمد قلبي وترك في ذاكرتنا أشياء تعلمنا بها ما لم نكن نعلم... ابتسامة بها نقاوم الشدائد... وكلمات متهكمة تفضح مرارة القضايا... ويوما من شتاء حزين يدعونا دائما الى تذكره... تولد فينا أمنية عودتك ولو يوما واحدا تهدينا فيه مقالا آخر وبسمة أخرى يستبيحها هلع فقدانك الابدي... «وداعا» نذرفها ونكاد نكذبها إذ مازلنا بحاجة الى قلمك... لتقول به ما لا يقدر على قوله غير القليلين.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.