لماذا لا تصور أعمالنا الدرامية الا في اللحظات الأخيرة؟ ولماذا لا يقع الاعلان عن مديري التظاهرات الثقافية الكبرى ولا عن برامجها الا في اللحظات الأخيرة؟ أسئلة تتكرر كل سنة لدى الجمهور ولدى أهل الاختصاص والجميع ينتظر التغيير، لكن لا تغيير يذكر .. والقديم دوما يعاد. فعندما تطرح السؤال الأول الذي يخص الأعمال الدرامية وتصويرها في اللحظات الأخيرة على مصادر مختلفة لكنها مسؤولة بالتلفزة التونسية، تبدو لك الأجوبة، وكأنها مباراة كرة قدم، كل مجيب يرمي بالكرة الى آخر، دون مدك باجابة مقنعة، بل ان هذا السؤال له اجابة واحدة ووحيدة هي : الاجابة في هذا السؤال ليست من مشمولاتي اسأل فلان ام الادارة الفلانية ..». وحتى نبتعد عن اجابات المسؤولين المحيرة - حاولنا الاتصال ببعض المخرجين لكن اجابة المخرج التلفزي «محمد الحاج سليمان» وعدم الحصول على البعض الآخر حالت دون المواصلة في هذا التوجه، حيث يقول الحاج سليمان «نحن كمخرجين نكلف باخراج مسلسل ما لا غير، والإدارة هي صاحبة القرار وهي أيضا صاحبة الأفكار، فضلا على كونها المؤهلة الوحيدة للاجابة عن هذا السؤال، ولا أسمح لنفسي بالاجابة عوضا عنها ..» كلام معقول لكنه ديبلوماسي بعض الشيء. غياب القرار بيد ان اجابة الممثل والسيناريست «حسين المحنوش» تبدو اكثر وضوحا حين قال ان التأخير يعود الى غياب التنظيم وكذلك غياب القرار، وقد أضاف في هذا السياق : «دائما يتعللون بغياب النصوص، لكن هذا غير صحيح، فالنصوص موجودة، وبالمناسبة اقترح كحل لهذه المعضلة بعث لجنة من أهل الاختصاص لهم علاقة بالكتابة الدرامية وبالدراما عموما، تهتم بالاعداد الى السنة المقبلة ابتداء «من الآن ..». «المحنوش» ذكر في حديثه ل «الشروق» انه سلم سيناريو مسلسل «الدوار» قبل التصوير بسبعة أشهر تقريبا، الى ادارة التلفزة وانه سلم مسلسل «فج الرمل» قبل سنة من تصويره. بطل الدوار ومؤلفه، يعي جيدا ان ما صرح به قد يبعده لسنوات عن الدراما التلفزية وهو الذي أبعد لمدة تناهز الثماني سنوات بعد نجاحه في «الدوار» و «فج الرمل» ونجاحه كذلك في «ماطوس» كممثل..! «العاتي» كما عرفه الجمهور العريض في مسلسل «الدوار»، قال يتذكر ان «الدوار» في ظرف وجيز جدا انتقل مباشرة من المونتاج الى الميكساج ومنهما الى البث» وأضاف مازحا : «من الطبق لبيت النار ..». كلام المحنوش يبدو معقولا خصوصا أن فترة التصوير قريبة جدا من فترة البث اي من شهر رمضان الكريم، للأسف الشديد. مهرجان الموسيقى موجود في 2010 ! ما يحدث في التلفزة ليس بعيدا عما يحدث في تظاهراتنا الثقافية الكبرى على غرار مهرجان قرطاج الدولي ومهرجان الموسيقى التونسية، فإلى حد الساعة لا نعلم من المدير الجديد لهاتين التظاهرتين، وأما عن البرمجة فحدث ولا حرج! وباعتبار ان وزارة الثقافة والمحافظة على التراث هي المشرفة على تنظيم هاتين التظاهرتين فان مصدرا مسؤولا بها لم يجب عن سؤالنا المتعلق بسبب التأخير لكنه أكد ان مهرجان الموسيقى التونسية موجود في سنة 2010 وأن مديري التظاهرتين سيتغيران وأن لجانا تهتم ببرمجة هاتين التظاهرتين، كما أضاف المصدر ان وزير الثقافة والمحافظة على التراث سيعلن عن ذلك في ندوة صحفية... غياب المنهجية والتخطيط الاجابة عن السؤال الثاني تكون أوضح مع مدير سابق لتظاهرة ثقافية ما، ولعل المسرحي «منصف السويسي» من المؤهلين للاجابة عن هذا السؤال وهو الذي سبق له ادارة ايام قرطاج المسرحية والمسرح الوطني كذلك. وفي سياق اجابته عن سؤالنا أكد السويسي ان اسباب التأخير المتحدث عنه عديدة لكن السبب الرئيسي من وجهة نظره يعود الى عدم وجود استراتيجيا بالاضافة الى غياب تخطيط ومنهجية عمل وبرمجة محكمة. واضاف المنصف السويسي في هذا الصدد : «المسائل تخضع الى اعتبارات ظرفية تتعلق بميولات الأشخاص ورغبات الأفراد أكثر منها مشاريع مدروسة تخضع للتخطيط والدرس والبرمجة المسبقة باعتبار ما يتطلبه التطور وما يفترضه استباق القادم..». واعتبر المدير السابق لأيام قرطاج المسرحية ان الأمور في هذا الاطار غالبا ما تكون مرتجلة تطغى عليها الأهواء الشخصية وتسودها الاعتباطية لذلك يقول السويسي لا يقع الاهتمام بواقع المؤسسات والتظاهرات الكبرى الا في ربع الساعة الأخير. سر طريف وفي حديثه ل «الشروق»، قال السويسي انه سيفشي بسر من الأسرار الكثيرة التي عاشها حتى يتبين القارئ واقع الحال فصرح بما يلي : «عندما كنت مديرا لأيام قرطاج المسرحية في احدى دوراتها الخمس التي نالني شرف ادارتي لها كنت طلبت من وزير الثقافة آنذاك ان يتفضل بتعيين المدير الجديد للدورة القادمة اثر توديع الدورة القائمة بعد القيام بتقييم موضوعي معمق للدورة المنتهية، حتى يتمكن المدير الجديد من اعداد الدورة اللاحقة في حيز زمني ملائم للاتصال وانتقاء العروض اللائقة ودعوة المتميزين من المسرحيين في العالم، فالفترة الفاصلة بين دورة وأخرى (سنتان) يمكن ان تلائم البرمجة عند البلدان المتقدمة كما تمكن من الاستعداد الجدي والجاد لبرمجة تظاهرة تسعى الى التطور. ولكن سيادة الوزير آنذاك قال لي : «هل أنت معتوه» ؟! أتريدني ان انظم مهرجانا للذي سيأتي من بعدي؟! من يضمن لي ان أكون وزيرا بعد هذه الدورة .. عندها فهمت ان نكبة تونس من البعض الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية دون مراعاة للمصلحة الوطنية». هكذا صرح المسرحي المنصف السويسي او باح بأحد أسراره، التي يأسف لسماعها كل تونسي وخاصة كل مثقف في هذا الوطن، ولئن أجاب هذا السر عن سبب من أسباب التأخير. فإن بقية الأسباب تبدو غامضة ومبهمة على أمل ان تتضح وعلى أمل ان لا تظل الثقافة التونسية تأتي متأخرة كفلسفة هيغل وطائر مينيرفا...