انطلقت صباح أمس فعاليات الندوة الدولية «الموسيقى من أجل ضمير كوني متضامن» بمدينة العلوم، تحت اشراف السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث، هذه الندوة الدولية التي تحتضنها بلادنا من 6 الى 8 فيفري 2010، ينظّمها كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان ومعهد «تودا» للسلم العالمية والبحوث السياسية بطوكيو وتنظم تحت سامي اشراف الرئيس زين العابدين بن علي. وتولى تقديم الندوة في مستهلّها د. محمد حسين فنطر، المشرف على كرسي بن علي لحوار الحضارات، والذي أشار الى الدور الكبير للموسيقى في تكوين الانسان وأنها (الموسيقى) أول الفنون التي ابتدعها الانسان البدائي من اجل اثبات وجوده. كما عبّر د. فنطر عن اعترافه لرئيس الدولة بالدور الكبير في عقد هذه الندوة التي تلتئم تحت اشراف سيادته. وهو ما أكده الاستاذ «أوليفي ايربان» مدير معهد تودا الذي عبّر بالمناسبة عن عميق امتنانه للرئيس بن علي واعتبر ان هذه الندوة ستكون ناجحة مسبقا، مضيفا ان الموسيقى محور الندوة تشكل ركيزة أساسية في تفكير الانسان، لأنها تتصل بكل ما هو عميق في وجودنا، كما اعتبر ان العلاقات الانسانية تعتمد على الايقاعات، وأكد مدير معهد «تودا» ان من مزايا هذه الندوة كونها تنعقد على أرض تونس الثرية والزاخرة بتراثها البشري والحضاري العميق، وأضاف قائلا: «بهذا البلد تجتمع موسيقات مختلفة وثرية من البربرية الى اليونانية... كما ان موقع تونس الهام في حوض المتوسط يجعلها مؤهلة لاحتضان الندوة...». ضمير كوني متضامن كل المتحدّثين في الندوة أبرزوا الموضوع الأساسي لها، وهو «الموسيقى من اجل ضمير كوني متضامن»، وذلك سعيا الى الاسهام في ما يجعل الأنا يشعر أنه الآخر. كما أبرز المتحدثون ان اختيار الموسيقى موضوعا للندوة مرده تجارب موفقة أثبتت فاعلية هذا الفن في مداواة المرضى النفسانيين وغيرهم كما أبرزوا إن من فضائل الموسيقى ردع اللواحق الخبيثة الناجمة عن حالات ما بعد الحروب وأهميتها في عصر العولمة. الثقافة والتنمية ومن أبرز الكلمات تلك التي جاءت على لسان وزير الثقافة والمحافظة على التراث، حيث عبّر في مستهل كلمته عن اكباره للجهود السخية التي ما انفك كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان يبذلها بهدي من رئيس الدولة. وقال في سياق متصل إن الرئيس زين العابدين بن علي اعتبر الثقافة محرّكا أساسيا من محرّكات التنمية المستدامة في مشروعه الحضاري وبوّأ المبدع باعتباره ضمير الامة مكانة الشريك الأساسي في تمشيه الاصلاحي وتطوير نسيج المجتمع المدني... دور خطير السيد عبد الرؤوف الباسطي شدد في كلمته على ان للموسيقى دورا خطيرا في ابداع هذا الضرب من ضروب المواطنة التي ننشد، على حد تعبيره، بما يتيحه هذا الفن الجميل من فرص تهذيب الذوق وارهاف الحس وإذكاء الشعور بالجمال والسموّ بالملكات وتحقيق التوازن النفسي والفكري، والكلام لوزير الثقافة والمحافظة على التراث. وأضاف أن الموسيقى فن يسهم في تيسير التواصل بين الأفراد والجماعات والأمم وفي إشاعة قيم التسامح والتفاهم والتحابب وفي احلال روح السلام بين الشعوب. الموسيقى الأقدر وقال الوزير في كلمته: «إني أزعم أن فن الموسيقى هو الفن الاقدر من غيره على أن يكون لغة كونية تشيع روح التواصل وتحفظ للخصوصيات حقها في البقاء». وأضاف «ما أحوجنا الى هذه الروح في هذا العصر الذي تواجه فيه الانسانية تحديات جمّة بسبب تيارات التطرّف الاعمى والظلامية ودعوات التسلّط والصدام بين الحضارات وما خلّفته من كراهية وحقد وبسبب القوالب الاستهلاكية التي أفرزتها العولمة وباتت تهدّد بطمس الخصوصيات وتسطيح الحضارة الكونية وتنميطها». الموسيقى في العلاج النفسي حصّة العمل الاولى للندوة ترأسها الاستاذ «محمد زين العابدين» وأولى المحاضرات أو المداخلات كانت للاستاذ «الصديق جدي»، والذي قدّم تفسيرا نظريا لدور الموسيقى في العلاج النفسي أو كما يصطلح عليه علميا الموسيقى العلاجية (الميزيكو تيرابي)، وقد توّج هذا التفسير بفيلم وثائقي أنتجه في الثمانينات عن كيفية العلاج بالموسيقى في مستشفى الرازي في تلك الفترة، وقدّم الفيلم حالات مرضية كان علاجها مستعصيا لكن الموسيقى أعطت نتائج ايجابية جدا وكانت الحل ومن هذه الحالات حالة «عبد المجيد» الذي تتغيّر ملامحه وحالته النفسية بمجرّد أداء مقطع من أغنية محمد عبد الوهاب يقول: «يا دنيا يا غرامي... يا دمعي يا ابتسامي مهما كانت آلامي ... قلبي يحبّك يا دنيا» لكن ما لم يعلّق عليه الدكتور الصديق جدي ولا حتى الحاضرون. وفي نظرنا كان تلخيصا لهذه المداخلة القيّمة هو مقطع من أغنية «غنيلي شوية شوية» لكوكب الشرق أم كلثوم. هذا المقطع كانت تردّده امرأة وهي حالة من ضمن الحالات المرضية التي عرضها الفيلم، ويقول المقطع: «المغنى حياة الروح يسمعها العليل تشفيه» عموما هذه المداخلة القيّمة وكل ما جاء في بداية الندوة يصبّ في خانة موضوعها الرئيسي «الموسيقى من أجل ضمير كوني متضامن»، علما وأن الندوة متواصلة الى غاية يوم الاثنين المقبل وستتضمّن مداخلات ومحاضرات قيّمة وفق ما جاء ببرنامجها، ومنها مداخلات لدكاترة موسيقيين من تونس ومن دول أخرى.