كنّا قد كتبنا عددا من المقالات التي تتحدث عن التجاوزات القانونية التي تحدث داخل المحاضن المدرسية وموقف الألياء من هذه التجاوزات لكن لم يتغير شيئ وبقي الحال على ما هو عليه ولم نسمع أو نلاحظ أية مراقبة أو متابعة قانونية لما يحدث أو وقع غلق أو محاسبة أصحاب المحاضن المدرسية فمازلنا نشاهد يوميا عددا من الخروقات في حق الطفولة في غفلة من الجميع ومازلنا نقف على مشاهد وحكايات لا تقبل التصديق. وحتى لا يكون حديثنا عاما فإنني سأخصص هذه المساحة لسرد بعض الروايات التي استمعت إليها من عدد من الأولياء وكذلك بعض الأشخاص الذين شاهدوا عددا من التجاوزات في حق الطفولة بشكل أو بآخر. ضد القانون في أحد أنهج العاصمة وغير بعيد عن إحدى إدارات المراقبة التابعة لوزارة التربية نجد عمارة سكنية بها محضنة مدرسية شعارها لا لتوفير الظروف الصحية المناسبة والضرورية فهذه المحضنة هي عبارة عن مستودع به نافذة واحدة وصغيرة لا تسمح بتهوئة المكان بطريقة صحيحة ولا تدخلها الشمس صيفا أو شتاء وللعلم فإن التجاوزات لا تقف عند هذا الحد وإنما هي متعددة ومتنوعة وأولها هي أن الفتاة التي تدير هذه المحضنة أبعد ما يكون عن صفات رجال التعليم ونسائه لأنها وعلى ما يبدو مستواها الثقافي متدن جدا ولا تملك أيا من أساليب التربية والبيداغوجيا الحديثة والدليل على ذلك حسب شهود عيان هو صراخها العالي وشتمها للأطفال الصغار وتسليط العقوبات المتنوعة عليهم بالإضافة إلى الفوضى والضجيج الذي يحدثه الأطفال وتراشقهم بالكراسات والكتب والانخراط في شجار عندما تكون هذه «المربية» إن صح التعبير منهمكة في التدخين داخل بيت الراحة الموجودة بدورها وسط المحضنة (المستودع) غير مبالية بصحة هؤلاء الأبرياء. كل هذه التجاوزات وغيرها تقع في غفلة من الآباء والأمهات الذين يصطحبون أبناءهم يوميا إلى هذه المحضنة ويدفعون المال ويمضون في حال سبيلهم ولم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عن وضعية هذه المحضنة وما إذا كان لدى صاحبتها الترخيص القانوني والاستفسار عن وضعية أبنائهم النفسية والعلمية في هذه الأجواء غير الصحية. هذه السلبية تدل للأسف الشديد على مدى استقالة الأولياء وتخليهم عن دورهم الأساسي المتمثل في البحث عن راحة الأبناء وتحقيق سعادتهم وضمان مستقبلهم الدراسي والنفسي معا. عنف وشتائم وهناك أيضا العديد من التجاوزات الأخرى التي تحدث في عدد آخر من المحاضن منها تلك التي تحدث في محضنة موجودة بقلب العاصمة وبالطابق الرابع من إحدى العمارات السكنية، حيث نبدأ في إحصاء هذه التجاوزات بغياب لافتة تدل على وجود محضنة للرضع وهذا دليل قاطع على أن صاحبة المحضنة لا تملك رخصة في الغرض وأنها حولت شقة سكنها إلى مكان تجمع فيه أكثر من عشرين رضيعا وعند دخولنا إلى المحضنة التي دلنا عليها حارس العمارة لم نلاحظ وجود أية لعبة وكان جميع الأطفال مصطفين على مقعد طويل وكانوا يتبادلون اللكمات والضرب بمجرد انشغال المربية بالحديث معي لكن أمر الفوضى هذا لم يدم طويلا حيث قطعت المرأة كلامها معي وشرعت في الصياح وشتم هؤلاء الأبرياء في محاولة منها لإعادة الهدوء المفقود إلى المكان هذا الموقف الغريب جعلني أتساءل عن سر قبول أولياء أمور هؤلاء الصغار بهذا الوضع المحزن وكيف سمحوا لأنفسهم بترك أبنائهم يعيشون مثل هذه الوضعية دون أن يخالجهم بعض الخوف من الانعكاسات النفسية والأخلاقية التي يمكن أن يكون الطفل ضحيتها إذا بقي في هذا المكان طيلة فترة طفولته الأولى؟ اكتشفت ساعتها شكلا آخر من أشكال استقالة بعض الأولياء في تونس وعدم حرصهم على ضمان مصلحة أطفالهم الصغار. الصحة في الميزان دائما في قلب العاصمة أين تكثر المحاضن المدرسية وتكثر أيضا المنظمات التي تعنى بالطفولة وتسهر على راحة الأطفال الصغار وتدافع عن حقوقهم بالمراقبة والمتابعة وتكثر أيضا الخروقات القانونية في حق الأطفال. فرغم تحذير الدراسات العالمية الصحية من مخاطر «المكروأوند» وانعكاساته الصحية الخطيرة على صحة الإنسان مازال بعض القائمين على المحاضن المدرسية يصرون على استعماله في تسخين الأكل ومازال الأولياء يصرون أيضا على الصمت وعدم إيلاء الموضوع أية أهمية تذكر وكأن هؤلاء الأطفال الذي يساهم «المكرواند» في تدمير صحتهم يوما بعد يوم لا يمتون إليهم بأية صلة فإلى متى سيتواصل صمت الأولياء؟ وإلى متى سيتواصل إصرار أصحاب المحاضن على التمسك بهذا الأذى الذي يهدد صحة الأطفال الأبرياء؟ ولا شك أن قائمة التجاوزات داخل المحاضن المدرسية لا يمكن حصرها جميعا في هذا المقال وأنها أكثر مما يمكن حصره ولكن ما يمكن طرحه الآن هو السؤال التالي: أين الرقابة وإلى متى سيجد مثل هؤلاء الدخلاء على قطاع المحاضن المدرسية الفرصة للتصرف بحرية وتهديد مستقبل الأطفال كما يحلو لهم؟ سؤال في انتظار جواب قد يأتي وقد لا يأتي.