بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي يعلو الزعيق وتتراكم الاتهامات ويتصايح «فرسان» القائمات الانتخابية في العراق المبتلى الذي يتنازعه احتلالان جعلا منه مساحة للشدّ والجذب بينهما، الاحتلال الأمريكي والاحتلال الايراني، رغم أن الاحتلال الثاني لم يأت نتيجة للاحتلال الأول بل برغبة وقرار مسبق من هذا الاحتلال بأنه عندما أسقط النظام الوطني في العراق فإنما قصد تسليمه لإيران التي ما كان لها أن تسمح لحزبيها اللذين شكلتهما وصرفت عليهما ودربتهما وأعني بهما المجلس الأعلى وتابعه فيلق بدر وحزب الدعوة بدخول كل المفاوضات والاستعدادات مع الجانب الأمريكي قبل تنفيذ الغزو. ولذا ليس بمستغرب ذلك التوصيف الذي جاء به أحد المحللين السياسيين العراقيين في برنامج على احدى الفضائيات العربية بثّ أخيرا بأن حكام العراق الجدد هم أشبه بإمرأة متزوجة من اثنين أحدهما أمريكي والآخر إيراني، وسأظلّ شخصيا على رأيي الذي كتبته مرارا أن أمريكا يكفيها ما فيها، يكفيها همّا العراق وأفغانستان، ومهما فعلت لإيران من تشديد للعقوبات أو شحن إعلامي فإن ذلك لن يصل الى إعلان الحرب، وإيران ماضية في تطوير برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم بالدرجة التي تريدها غير آبهة بما تسمع. أمريكا تعرف بأن ولاء هؤلاء الحكام الأول للطائفة وليس الى العراق الوطن، ومادامت الطائفة مخطوفة الآن ومصيرها يتقرّر في قُم وطهران فإن ولاء الحاكمين هو لإيران قبل أمريكا حتى أن بعض هؤلاء الحكام صعّدوا من لهجتهم تجاه تصريحات السفير الأمريكي (ما جاء على لسان رئيس الوزراء المالكي وبعض مستشاريه مثلا) حتى يظن السامع أنهم خرجوا عن طوع أمريكا، ولكن على من كل هذا؟ من يصدق أن المالكي (يطرد) هكذا!! سفير ولية نعمته أمريكا ببغداد؟! لقد استمعنا الى تصريحات متلفزة للجنرال باتريوس قال فيها حول صراع الديكة وقأقأة الدجاجات المستعرة بشأن الانتخابات وبشأن أبشع تعبير يمكن أن تأتيه اللغة (الاجتثاث) بأن (لجنة الإجتثاث) أو هيئته التي أعطيت مهمة رئاستها لأحمد الجلبي الذي يحار فيه الوصف، ومن أي جانب نتحدث عنه، والتي جرى تبديل اسمها الى (هيئة المساءلة والعدالة). قال الجنرال بأنها تتلقى تعليماتها من قيادة فيلق القدس الايراني. كما أن الجلبي نفسه الذي رأينا وجهه الذي لا نريد أن نراه من احدى الفضائيات مازالت لهجته المدّعية المتبجّحة على حالها حيث أكد أن (هيئة المساءلة والعدالة) هذه أشدّ من (هيئة اجتثاث البعث). إذا كان الأمريكيون وهم الحكام الفعليون للعراق يعرفون كل هذا فكيف يسايرون ما يجري؟ وهل أن كل هذا الشدّ يتمّ وهم مجرد مراقبين له؟ صحيح أن كل ما يصرح به المالكي أو مستشاروه نفخ صدر مجاني، وكما قال الصديق د. فاضل الربيعي إنه لا يجرؤ على طرد سفير أي دولة هلامية، ولكنه يريد بهذا أن يسجل نقاطا على الذين ينافسونه وإظهار نفسه بمظهر القوي القادر على إخضاع العراق لسلطته. إن التفجيرات التي استهدفت زوار المراقد المقدسة التي توالت بمناسبة الزيارة الأربعينية لكربلاء ما كان لها أن تتمّ وهي تحت حراسة أكثر من ثلاثين ألف جندي وشرطي من أتباع الحكومة، ولكنها تمّت حتى تجيّر لصالح الفئات المعادية للمالكي من خلال الصراع داخل الطائفة الواحدة على الانتخابات التي يريد المالكي كسبها بأي صورة ليبقى رئيسا لوزراء المنطقة الخضراء، وقد شكّل قوات عسكرية وأجهزة مخابرات تابعة له استعدادا لتجديد انتخابه. هو صراع طائفي مقيت وكريه يضيّق الخناق على الناس ويقتل روح الإخاء والمواطنة بينهم، فبأيّ حق يدعو محافظ النجف لإخراج البعثيين وأسرهم؟ وبأيّ حق تعطى الأوامر لمجلس محافظة البصرة فيطلق المظاهرات الى إخراج البعثيين من المدينة وتحويلها الى طيف طائفي واحد، وقد هدّد هذا المجلس بتشكيل فيدرالية خاصة بالبصرة وهو شعار مجلس آل الحكيم الاسلامي الأعلى. ويخرج البسطاء المغلوبون على أمرهم في تظاهرات هي في جوهرها ضدّ الوطن وضدّ وحدة أبنائه. من أدرى هؤلاء المساكين لماذا (اجتثّ) أكثر من خمسمائة شخصية من حق الانتخاب؟ كيف يصفقون ويهزجون مثل (الأطرش بالزفة) والوطن مغلوب على أمره؟ لقد استمعنا الى معلق سياسي أمريكي أعلن أن الأحزاب الطائفية الحاكمية هي الأولى بالاجتثاث وذكر المثال التركي مردّدا بسخرية لو أن هذه الأحزاب في تركيا لحلّت كلها، هي ليست أحزابا دينية بل طائفية عمياء. لكن مع هذا كله لنا عميق الثقة بأن هذه المؤامرة التي وصلت الى فصولها الأخيرة لن تنجح وأنها ستنقلب على مؤجّجيها الذين يشكلون رأس الفتنة.