حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكراي يقول «سي أحمد» بن صالح مواصلا الحديث عن لجنة الدراسات الاشتراكية، التي ميّزت نشاط الحزب الحاكم، بعد مؤتمر بنزرت، وبعد أن أضحى حزبا اشتراكيا دستوريا، بعد أن كان يسمّى الحزب الحرّ الدستوري، إنها «لجنة ناشطة، وكانت اجتماعاتها كل يوم ثلاثاء على الساعة الخامسة مساء، في مقرّ الحزب، عبارة عن مطارحات فكرية يحضرها ويشارك في نقاش المواضيع المطروحة، المنتمي للحزب وغير المنتمي إليه..» وأضاف: «لقد تكوّنت للجنة فروع في الجهات، في كبرى المدن التونسية، والذي حدث هو أن ذلك مثّل نفسا جديدا.. والذين تكلّموا هناك، داخل اللجنة لم يكونوا قريبين من الحزب».. قلت ل«صاحب المذكّرات»: وما المغزى من إحداث هذه اللجنة؟ فقال: «أردنا بعد مؤتمر بنزرت، وبعد تضمين «الاشتراكية» في فحوى وعنوان الحزب، أن نوضّح اختياراتنا في مجال الاشتراكية.. فهي اشتراكية تونسية وليست اشتراكية متعصّبة.. وقد أردناها اشتراكية ديمقراطية، لكل صاحب رأي الحق في الإدلاء برأيه بكل حرية.. وكان أن بسطنا هذه التوجّهات الجديدة، بعد المؤتمر ووضعناها على الساحة.. والحقيقة، ليست بدعة هذه العملية التي تلت المؤتمر، سواء في مستوى اجتماعات القطاعات الثلاثة، أو في ما يخصّ لجنة الدراسات الاشتراكية، فقد كان لنا موعد مع الديمقراطية، من حيث المشاركة مشاركة الآلاف في لجان التخطيط (...) وقد صدرت كُتيبات، صدرت فيها أسماء اللجان وأسماء المشاركين فيها.. هذا كلّه، يدخل في نطاق مسحة من السياسة التنموية، بدأناها في جوّ واضح من التفتّح والديمقراطية، وتشريك أكثر ما يمكن من الناس.. فمثلا كنّا نتناول مشاغل الشباب، ومسألة اللغة، والدّين والسياسة.. الى غير ذلك من العناوين الكبرى.. نحن انطلقنا من فلسفة ثلاثية الأضلاع: القطاعات الثلاثة فيها بل ونقصد منها تعايش الدولة والقطاع الخاص وقطاع التعاضد.. نحن في تونس، وخلال تلك الفترة، شرعنا في تقديم نموذج للعالم الثالث، من السلوك السياسي في الدول الجديدة المستقلة حديثا مثلنا..». قلت له: ولكن مُجمل التعليقات على تلك الفترة أو حولها، جاءت قاتمة، ولا تحتوي هذا الجانب المضيء في التجربة..؟ لماذا باعتقادك؟ قال «سي أحمد» بعد هنيهة من التفكير: «الناس» لا يقولون كل شيء.. لا يتكلّمون بالكامل حول التجربة.. لأن النظرية، في مجملها منسجمة.. وأعيدها هنا في هذا الوقت، وقبل أن نصل الى مسألة التعاضد بالتفصيل، إنّنا لم نفرض التعاضديات ولا الدخول فيها.. وذكرت لك، أن الفلاح الذي لا يستطيع ولا يقدر على تجديد التوجهات الفلاحية الجديدة (الشمال وبعد أن كانت أراضيها مخصّصة فقط للزراعات الكبرى عهد الاستعمار، أحدثت فيها توجهات جديدة وتنويع في الزراعات)، مكّناه من صندوق القرض التعاوني، وقد أحدثنا على ما أذكر أربعين منها.. لأن البنك القومي الفلاحي (BNA) يمنح القروض لأرض أو ممتلك لعشرات الهكتارات.. والأربعون صندوق قرض تعاونيا، ليس للتعاضديات.. هذا الأمر لا يتكلّمون بخصوصه.. ولا يقولون عنه شيئا.. ثمّ، إنهم (لا يقول من هي الجهات، لكن المفهوم أن الذين شهّروا أو شوّهوا كما يقول (تجربة التعاضد) لا يقولون لماذا ركّزنا على الشمال بالذات، والذي أقوله، هو أن الشمال التونسي، هو الجهة التي استعمرت بشكل كامل من الفرنسيين.. فالأراضي الخصبة في الشمال التونسي، وأكبر الممتلكات من الأراضي هي في الشمال.. كانت القموح التي تُنتج في الشمال التونسي، هي لتزويد السوق الفرنسية.. وعندما استقلّت تونس، حدث وأن وجدنا الشمال كلّه، لا ينتج حبّة طماطم واحدة ولا تفّاحا ولا أي نوع من الزراعات والمنتوجات الفلاحية غير القموح.. هذا طبعا، يقولونه..» وأضاف: «هذه ليست اشتراكية بل هي نهضة تنموية في الحقيقة.. وذلك لمنع الاستغلال والهيمنة..». ولهذه القصّة قصص أخرى، حول هذه الأراضي بالذات.. فما الحكاية يا ترى؟ هذا ما سنراه لاحقا، وفي الحلقات الموالية إن شاء اللّه..