أعرف من واقع المرحلة أن هناك من غسل يديه تسليما بالهزيمة العربية ثقافة وجغرافيا وتاريخا. أما أنا فاسمحوا لي أن أرفض الاعتراف بالهزيمة مع إن الدلائل كل الدلائل تضطرني أحيانا إلى التساؤل مع النفس هل حانت سنوات الانهيار على شواطئ أرصفة الموانئ الأطلسية وفي مزادات المشاريع الاستعمارية المختلفة. أكره في حياتي مصطلح الهزيمة مع إن الفكر الأولمبي يرشح الهزيمة مرادفا للانتصار بداعي الروح الرياضية ولكن الهزيمة أية هزيمة لن تكون في نظري أبدا مرادفة للانتصار أو مقبولة لأي سبب من الأسباب ولو من باب إكرام روح ببار دي كوبرتان. أعني أن حياة الأمم لا تقاس إلا بمقدار الانتصارات والفتوحات والاكتشافات.. الهزائم بالنسبة للمجتمعات هي بمثابة المرأة العاقر التي ولدت لتموت بلا تاريخ ولا هوية. هذا الجسد العربي المسكون بالقهر والغيوم واللاوعي والرغبة في الحماية الأجنبية.. الذي عششت فيه النار الثأرية البينية واستقرت خطط وأطماع المتآمرين ونافخي الأبواق النحاسية في أجنحته وثناياه لم تبق له في تقديري البسيط إلا «خرم إبرة» تتسلل منه بارقة أمل تدفعنا للتصدي والممانعة. قد لا يصدق البعض ما أزعمه من أمل إذ يقارنه بأنباء أخرى متناقضة تصله من مصادر أخرى كالقاعدة في اليمن والعراق وطرق الأعمدة الفولاذية في عمق الجسد الغزاوي وقوائم شروط الانهزام المعلقة على جدران الكنيست الاسرائيلي وزواريب البنتاغون الأمريكي. ولكن السؤال الأهم كيف يمكن أن نقرأ الأحداث ونستثمرها ونقلل من درجة قبحها.. كيف لهاته الحناجر الضعيفة المزمجرة في لبنان والعراق ومصر وغيرها أن تصبح الأقوى.. كيف يمكن مقاومة الحصار العربي المطبق من عرب على عرب.. كيف للتواصل العربي أن ينبعث من جديد بعدما أغرقته سياسة الخيانة ومواقف أبواق الإذاعات والفضائيات العربية عفوا العبرية المختلفة.. كيف نؤسس لثقافة التحدّي والممانعة.. كنت دائما أتمنى أن أعيش مع غاندي وأن أكشف مدى تلك القوة الروحية التي استطاع بها قهر الامبراطورية الانقلوساكسونية وأن استلهم منه الرغبة الجامحة والمتواصلة للانتصار لمعنى العروبة والقومية والأمة الواحدة. ماذا نسمي وطنا رحل عنه جمال عبد الناصر وصدام حسين وياسر عرفات.. هؤلاء هم عناوين الوعي العربي.. إياك أن تصدق أن الأمة العربية عاقر لا تنجب.. المجاهدون في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان يؤكدون أن الشعب الذي تربى على خطابات القومية الناصرية وشموخ صدام حسين ومرابطة ياسر عرفات «يريدونني طريدا.. أقول لهم شهيدا.. شهيدا..». قلت هذا الشعب مازال ينبض عطاء وإيمانا. هؤلاء الرجال لن ننساهم أبدا ولن نغفر للقاتل أبدا.. لمن خطط.. لمن نفذ.. لمن حرض.. قلوبكم أيها الصهاينة سوداء.. أيديكم أيها الأمريكان ملطخة بدمائنا في «أبو غريب» وفي كل شبر طاهر دنستموه.. المصاحف والجوامع. المستقبل العربي ليس قدرا محتوما أو أمرا مقضيا إنما هو منوط بجهد الأمة وقناعة قواها الحية وأطيافها المختلفة.. فليس ثمة تقدم حتمي أو لائحة تخلف حتمي.. فقط يجب أن لا نستسلم رغم ما أصاب الشخصية العربية من انفصام وشبه الجنون كما في الرواية الشهيرة «نهر الجنون» للأديب توفيق الحكيم. يجب أن نتكلم.. أن نصيح.. أن نعاند.. أن نكتب ونكسر الصمت.. إذا نجحنا في كسر الصمت فلننتقل لكسر النعاس لينبلج صبح الأمل ونرى ضوء نهاية النفق.. سنصلي في القدس وسنشرب من دجلة والفرات.. ستعود القدس..