قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ ليبيا: اشتباكات عنيفة في الزاوية.. وهذه حصيلة الضحايا    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ينكرون حتمية الخيارالاسلامي بينما يؤسس عدو الأمة وجوده علي قاعدة دينية:رشيد ثابت
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 12 - 2007


في عيد حماس: ليست كأي حزب آخر في هذه الدنيا!
في التاريخ السياسي البشري المعاصر حركات سياسية عديدة حاربت وناضلت وقاومت من أجل حرية شعوبها؛ وضحت وقدمت الكثير في سبيل الخلاص.
هناك بلاد كثيرة خضعت في هذا العالم لاستعمار مقيت؛ وقد توزعت هذه البلاد توزع خارطة الإمبريالية العالمية؛ وتمددت بحجم مرارة القهر والغصب الذي لف أربعة أركان الأرض. وفي كل بلاد الدنيا التي احتلت انطلقت حركات تحرر ونضال قاومت ونالت الاستقلال. فما فضل حركة المقاومة الإسلامية حماس علي هذه الحركات؟ بل ما فضلها علي من اشترك معها في النضال والمقاومة في فلسطين نفسها؟
ليس العمل الجهادي الإسلامي لتحرير فلسطين مجرد قتال من أجل الحرية ودفع الظلم وتحقيق الاستقلال وانتزاع حق تقرير المصير. هذا القتال العقدي خطير ومهم بالنسبة لقضية التحرير؛ لكنه خطير ومهم أيضا علي مستوي حفظ الهوية؛ وبدونه نحن نفقد مكونا أساسيا من ذواتنا، وتتعرض إرادتنا للشلل، وقدرتنا علي المقاومة للإجهاض. وليست هذه حالنا وحدنا؛ فشعوب العالم العربي والإسلامي كانت ولا تزال تحمل هوية يشكل المركب الديني فيها عنصرًا أساسيا حاسما؛ وأي محاولة لإجابة سؤال الهوية وبناء الشخصية الخلاقة المعتدة بنفسها عند شعوب الهلال الإسلامي خارج إطار الدين والتدين ستبوء بالفشل الذريع. وأي محاولة لقراءة أحوال وصفات المجتمعات في بلادنا وفق قواعد علوم الإنسان الغربية التي هي بطبيعتها علمانية إلحادية لا تقيم للأديان وزنا ستفضي دائما إلي نتائج مزرية إلي حد الإضحاك في فشلها وبعدها عن الحكمة والصواب.
وحتي لا نطيل في التنظير المجرد أنا أرجو من القارئ الكريم أن يراجع معي تاريخ الأمة المعاصر وواقعها الأليم أيضا: انظر معي مثلا إلي العراق؛ فهل هرع الناس هناك لغير المساجد لمحاولة إطلاق مشروع يعمل علي استنقاذ دار الخلافة؟ حدث هذا في بلد قمع فيه الدين والتدين علي مدي عقود؛ وغابت عنه كل أطر وأشكال العمل الإسلامي. لكن ساعة انهارت الحواجز، وساعة سقطت الدولة التي تغولت علي شعبها واغتصبت قيادته بغير وجه حق، هرع الناس إلي ما اعتقدوا أنه القيادة الشرعية التاريخية للأمة وهي المساجد! واستحق عجوز هرم، يجب أن لا يغادر غرفة العناية المركزية لما فيه من أوجاع وأسقام، استحق صفة تمثيل الشعب هناك لمجرد أن شخصه ارتبط بشكل وظيفي إسلامي هو رئاسة ديوان الوقف؛ وعلي الرغم من أن المسؤولية عن الأوقاف ليست درجة علمية أو رتبة فقهية بحال! نحن نسوق هذا المثال المتطرف فقط لنصور عظم حجم اندفاعة الشعب العراقي كأي شعب مسلم نحو التدين؛ وإلا فليست كل خيارات العراقيين الإسلامية كانت عاجزة ومحدودة كخيار رجل الأوقاف المتعب. لجأ العراقيون للمساجد لتجميع المنهوبات والمسروقات من جامعاتهم، وأدت الجوامع دورها الحمائي. لجأ العراقيون للإسلاميين لإطلاق حركات المقاومة، ولا تزال هذه الحركات تؤدي دورها بكل قوة وبسالة... وليس كل التخريب الذي يقع الآن علي العمل المقاوم إلا نتيجة لمحاولة محمومة خبيثة لسرقة حق الزعامة من قيادة الأمة الشرعية أعني الإسلاميين المُضَحِّين وتسليمها لهيكل مصطنع مفبرك لا يمثل الجمهور ولا يقر له الشعب بشرعية القيادة؛ سواءاً كان هذا الهيكل مجلسا للعشائر؛ أو حكومة أجرت الانتخابات تحت سنابك خيل فرسان جبل الهيكل والصليب!
وما يسري علي عراق اليوم ينسحب علي كل شعوب العالم الإسلامي اليوم وبالأمس وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. هل فكرت أخي القارئ في التوافق العجيب بين تواريخ ضرب حركة الاخوان المسلمين في مصر عامود العمل الإسلامي هناك وتواريخ نكبات أرض الكنانة؟ في العام 1948 اغتال الحكم غير الممثل للأمة حسن البنا وضيق علي الإخوان؛ وفي العام ذاته هزم الجيش المصري علي أرض فلسطين هزيمة مذلة! وفي العام 1954 أسرت مخابرات صلاح نصر ثمانية عشر ألف إخواني مصري في يوم واحد؛ وكان هذا التجبر علي ضمير الشعب مقدمة لانسحاق الشعب وهزيمته في العام 1956؛ حين احتل الكيان الصهيوني الناشئ ثُمُنَ مساحة مصر في أحد أكبر انتصارات العرب السياسية ... وكما كذبت علينا الدعاية الناصرية من أحمد سعيد إلي أحمد زكي ! وجدد النظام الغريب عن روح الأمة عداءه لقيادتها التاريخية من الإسلاميين في العام 1965؛ فجدد الله له الخزي والعار بعد عامين في قاصمة ظهر أضاعت فلسطين وأضعاف أضعافها مساحة من أرض العرب. دائما كانت المعادلة واضحة: بقدر ابتعاد القيادة التي افترت علي إرادة الأمة وقرارها عن دين الله كنا نقترب من الهزيمة المذلة والفشل اقترابا مضطردا؛ وحين خَطَوْنَا نحو الله عز وجل في العام 1973 مرددين نداء الله أكبر في اقتحام خط بارليف جاءنا نصر الله مهرولا يعدو، وانبسط لنا البحر والجبل ينادي علي المجاهدين بشعار بدر يا منصور أَمِت أَمِت ! فإن انتكسنا عن نداء الإيمان سارعت أسباب التمكين بالفرار من أيدينا، وانسقنا إلي كامب ديفيد كالأنعام بل أضلَّ سبيلا!
ومصر القرن التاسع عشر في سؤال الهوية لا تختلف عن مصر القرن العشرين. وحده الإسلام كان ملجأ الجمهور المسحوق حين نزل الغازي نابليون أرضه مستبيحا كل حُرْمَة. سرعان ما انهارت الدولة الفاسدة، وفر أركان النظام المتضعضع بشكل لا يختلف كثيرا عما شاهدناه علي الهواء مباشرة في بغداد وسمعناه من جيل النكسة ووحدهم المشايخ حينها من التقطوا الراية المغبرة التَّرِبَة فرفعوها؛ وأشعلوا ثورتي القاهرة الأولي والثانية، ووحده كان الإسلام وقود حرب المقاومة الباسلة التي أخرجت المصري من صفة الجبان الفار بنفسه وعياله إلي الصعيد، وألبسته ثوب الأسد الهصور الذي يجاهد حق الجهاد، ويصنع المدافع كما شهد الجبرتي مؤرخ تلك الحقبة ويحتاج نابليون مع هذه الفدائية العارمة لأن يقتحم الأزهر بخيله ورَجْلِه، ويعدم مشايخه، ويحرق ما فيه من مخطوطات وكتب. كان الأزهر وقتها في أعز أيام عزه واستقلال إرادته! والجامع الأزهر الشريف هو وحده الذي كان موجودا لرد صفعات الفرنجة بلكمة اغتالت كليبر حاكم نابليون العام علي ميراث عمرو بن العاص... وبخلية من أربعة أفراد جميعهم من الأزهريين؛ واثنان منهم بالمناسبة من غزة الكريمة: الشيخان محمد الغزي وعبدالله الغزي!
فهل رأيت كيف أن الإيمان صنع مدافع لثوار القاهرة؛ تماما كما صنع اليقين بالله لكتائب القسام صواريخها التي تحمل الاسم نفسه؟!
وما يسع مصر يسع العالم العربي كله: فعمر المختار في ليبيا؛ والمهدي في السودان؛ وعبدالكريم الخطابي في المغرب وغيرهم من قادة حركات التحرر العربية، كل هؤلاء كانوا من الإسلاميين! حتي الجزائر التي ظننا بفعل سياسات التجهيل والتعتيم والقهر الإعلامي أنها تحررت بثورة الاشتراكيين، حتي الجزائر كانت ثورتها إسلامية صرفة تستلهم روحها من هذا الدين. وكان الجيش الفرنسي يعلن في بياناته عن المعارك مع المجاهدين وبكل صراحة أنه جري اليوم قتل كذا من المسلمين ! فلم تكن فرنسا تجد صفة أليق بأعدائها من طلاب الحرية وأبطال الأوراس إلا أنهم مسلمون ! وحين تحررت البلاد كان أول لحن شعبي غناه الناس فيها قَوْلُهُمْ:
يا محمد مبروك عليك!
الجزائر رجعت إليك!
فهل كان هذا لحنا نشازا في محيط ثقافي يساري اشتراكي عارم؟ أم أنه كان تعبيرا عن الروح الحقة للثورة، تلك الروح التي تكالبت عليها أيدٍ كثيرة فخنقتها وجيرت الانتصارات لحساب من لم يكن يستأهل أن يكون قائدا للأمة!
وقد يقول قائل: ها هي فتح غير الإسلامية قد بدأت النضال الفلسطيني وقاتلت ومارست العمل الفدائي ردحا طويلا من الزمن؛ وهي وإن صارت الآن مرتهنة لقيادة تسخرها في خدمة المشروع الصهيوني؛ فقد مرت من قبل أيام اضطلعت فيها فتح وحدها بريادة النضال والقتال!
وهذا الطرح يؤيد كلامنا ولا ينقضه أبدا؛ ففتح لم تنتعش أيام ازدهارها إلا بالالتحام الفعلي حينا مع روح الأمة؛ أو بالمتاجرة بهذه القيم العظيمة مع من جهل خبئية فتح من المغرر بهم من الجمهور! ففتح حين كانت تجذب الشباب الفلسطيني والعربي من كل أرجاء محيط فلسطين الكبير للإنخراط في معسكراتها، وحين كانت تجمع مال التبرعات، فإن ذلك كان يتم بعناوين كلها تتصل بالمسجد الأقصي والشهادة والقدس وفلسطين. بل حتي الاسم نفسه فتح لا ينفك يداعب خيال العربي المسلم بما تحمله الكلمة من إشراقات أجمل أيام التاريخ الإسلامي العظيم!
والذي حدث أنه بالقدر الذي ابتعدت فيه فتح عن روح الأمة كانت فتح تبتعد عن كل الصفات النبيلة؛ وعن تحقيق دورها الذي قامت من أجله: تحرير الوطن الفلسطيني ! وكلما غابت أشواق الأمة الروحية فقدت فتح صفة الزعامة وأهليتها، وتعززت أوراق أصحاب مشاريع السلام المشبوهة، فنموا كفطر سام من أول أيام فتح، واستطاعوا في أقل من عشرة أعوام من الزيغ التدريجي أن يطرحوا مبادراتهم التفريطية من أوائل سبعينيات القرن الماضي! واستمر التنازل عن قيم ديننا وثوابتنا واحدة فواحدة، وانسلخت فتح تباعا من موقع أهلية قيادة الشعب الفلسطيني حتي وصلنا إلي أيامنا هذه... أيام مات فيها سعد صايل وبقينا في خلف كجلد الأجرب! بقينا مع باعة السلاح أمام كاميرات التلفزيون.
إذاً المعادلة بسيطة: بالإسلام تعلو وتحتل المكانة المرموقة أيها العربي؛ وبدون هذا المكون الروحي الخطير يصدأ معدن الإنسان ويغرق في الخبال والسفال... ويصبح مثل ذلك القيادي (لا يظهر علي الشاشة حتي يلغمط وجهه بطبقة ظاهرة منفرة من المساحيق) وهو يتحدث أمام أعضاء من حركته؛ ويطمئنهم بكل أريحية أن أنابوليس سيفرض نفسه علي الصهاينة حتي لو بنوا المستوطنة في أبو غنيم ؛ فهم ساعة يحين الاستحقاق سيفككون كل المستوطنات كما فككوا ياميت في سيناء!
سبحان الله في هذه النفس الخبيثة: تدع اللحم الحلال وتنهش لحم الخنزير المتعفن نهشا! تدع سبع عشرة مستوطنة فككها الصهاينة في ليلة ليلاء في غزة ودون قيد أو شرط بسبب المقاومة؛ ولا تموت شوقا إلا إلي ياميت !
لكن لا عجب! فقد غاب الإيمان بالمشروع الإسلامي وغاب الإيمان بالاسلام حلا حاسما فربحنا تخرصات اللجنة التنفيذية و لغوصات المجلس المركزي أو الماركسي ، لا فرق!
وأنا لا أعرف كيف يجد بعض أدعياء الثقافة الفلسطينيون والعرب قدرة عجيبة علي التحامق؛ وقدرة عجيبة علي إنكار حتمية الخيار الإسلامي لدي أبناء الجمهور المسلم. كيف يستطعيون ذلك بينما عدو الأمة يؤسس وجوده علي قاعدة دينية صرفة؟ ويقيم دولة تحمل اسم نبي من التوراة، وهي دولة ليس لها دستور، لأن الأحزاب الدينية تصر علي أن التوراة هي الدستور! وهي دولة محرم فيها العمل يوم السبت، ومحرم فيها علي الجيش طبخ الطعام يوم السبت!
تقول يائيل دايان في مذكرات جندي : أكلنا طعاما مطهوا يوم السبت 3 حزيران (يونيو) بتصريح خاص من الحاخام الأكبر !
جيش إسرائيل الذي يمتلك القنبلة النووية يمتنع عن طبخ الطعام يوم السبت! وبينما نحن أقمنا دولا تدير إعلاما يصنع المستحيل للحط من اللغة العربية وعاء هويتنا الأول جعل الكيان الصهيوني من لغة ميتة مبتعثة من الأجداث لغته الرسمية! فدرس الصهاينة بالعبرية علم الصواريخ، وكيف يتم إفساد عمل الرادار، وكيف تضرب الطائرات علي المدرجات! وألّفوا بهذا اللسان الثقيل أدباً نالوا به جائزة نوبل العالمية!
هذا ما صنعه الكيان الغاصب... أما نحن ففرطنا في كل ثوابتنا وطرحنا كل شيء علي طاولة المفاوضات! وحين تمسك الأب القائد بما فوق الحرم وتنازل عن عكا وحيفا ويافا قلنا أنه صمد في الكامب ! رغم أنه عاد ولان في طابا بعدها بشهور؛ لكن مش مهم !
لكن مهلا! ففي فلسطين الآن حركة فتية بلغت العشرين من عمرها بعدد السنين؛ ومضي من عمرها عقود وحقب وقرون طوال إذا ما قيس العمر بالإنجاز والبناء. حركة حماس أعادت النضال الفلسطيني إلي جادة الصواب، وفجرت طاقات وآفاقاً جديدة للعمل المقاوم، لكنها فوق ذلك كله صححت حركة التاريخ الفلسطيني العربي المسلم، وشرعت في إنقاذ الهوية الفلسطينية والشخصية المميزة للإنسان العربي المسلم في فلسطين من الضياع والاندثار.إنطلاقة حماس وتعزز نفوذها هو إحياء لسنة مضت في هذه الأمة في تاريخها القديم وتاريخها القريب؛ وستبقي ماضية إلي يوم الدين: إنها سنة نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله !
ولا تحسبنَّ قيام حماس بهذا الواجب الشرعي مجرد تسديد خانات أو بعض حركة انفعالية لطاقم سفينة توشك علي الغرق؛ من نحو ما حصل مع آخر المقاتلين علي أسوار غرناطة أو بقايا جنود عُرابي في معركة التل الكبير. إن ما يميز البناء الحماسي هو أنه بات الآن ضاربا في جذور الوعي الفلسطيني؛ حتي لا تستطيع تصور مشروعٍ لتحرير فلسطين تغيب عنه حماس أو الإسلاميون! وإن كنت لا تصدق فاسأل أعداءها من أيتام دايتون صحيح أن دايتون تقاعد من مهمته؛ لكنه يبقي أباهم الأول! فإن لم تكتف فاسأل عن خبر حماس عدوها إسرائيل والفضل ما شهدت به الأعداء فإن لم تنل شِبْعَكَ فدونك أمريكا وأوروبا وكل القوي الكبري التي تجتمع علي حرب حماس؛ ويصر معظمها ما عدا روسيا وبعض الدول الأوروبية علي أن لا يسمع صوت الشعب الفلسطيني؛ ويصر علي اقتصار مائدة الحوار مع فلسطين علي ضيوف ثقال ظلا لا حجما! من طراز حزب الشعب ، ومنظمة ياسر عبدربه المقفلة (مساهم واحد فقط)! لبيع الأوطان...
فهل هناك شهادة بأهمية الدور ومركزيته؛ أكبر من اجتماع كل هذه الفرق المحلية والإقليمية والدولية علي حرب حماس؟ هم كلهم يدركون خطر حماس علي مشاريعهم المعادية للأمة، ورأوا في تجربة حية كيف أن الإسلامي في فلسطين لن يقوم بدوره علي أكمل وجه فيقاوم ثم يغني الجمهور يا محمد مبروك عليك ، ثم يساق الإسلامي بعدها للذبح أو الإقصاء! كلا وألف كلا! في فلسطين يبسط الإسلامي يده لكل إخوانه طلبا للصلح والتوافق؛ ويصفح مرة وكرة وأخري، لكن إن رابه من أيتام دايتون ريب فإنه يطوي صفحتهم ولا يسمح لأي يد بأن تمتد للمشروع الإسلامي بسوء! فهو مشروع التحرير وهو حجر الفلاسفة لكرامتنا أيضا!
ويقوم الإسلامي الحماسي بمهمة حمل الرسالة الإسلامية بإبداع وإتقان لا يجعله محل أمل الفلسطينيين وحسب؛ بل يضعه علي صدارة طموحات المسلمين في كل مكان. عرفنا ذلك وقرأناه في كل العيون التي بكت دموعا حرَّي علي شهادة الشيخين الرنتيسي وياسين... وشاهدناه في قسمات وجوه أبناء الأمة في كل مكان... أبناء الأمة من كل جنس ولون وعرق وإقليم... وهم يسألون عن أخبار أشباه الصحابة، وأنباء أحفاد المهاجرين والأنصار، ممن سطروا قصص عمليات الأنفاق، وأساطير العمل الاستشهادي، وجاهدوا في الله بكل ما أوتوا من أسباب، وأعتذروا لله سبحانه وتعالي والأمة والتاريخ جَهْدَهُم!
وبعد؛ فنحن ننظر للحاضر فنري تحديات جسام ودماء زكية تبذل، وننظر للمستقبل فنري تضحيات عظيمة توشك أن تتجسد، وكعادتها ستعطي حماس من دماء قادتها قبل دماء قواعدها وأنصارها... وكما نعجز الآن عن تعداد أسماء أعضاء المكتب السياسي والقادة الميدانيين والفكريين من حماس والذين قضوا شهداء في سبيل الله بصواريخ الاحتلال؛ فستطول هذه القائمة بأسماء أعلامٍ جدد؛ وأسماء غيرهم من الأبطال المغمورين من خاملي الذكر في أوساط أهل الدنيا مثلي؛ وخالدي الذكر عند الملأ الأعلي بإذن الله... ونحن لا نقول هذا الكلام لأننا اطَّلعنا الغيب؛ بل هذه فقط قراءة استشرافية لطبيعة دور حماس وسنن الكون في أمثال أصحاب دعوة الحق مثل حماس!
نعم سنضحي وسنخسر بحسابات الدنيا المادية دما ومالا كثيرا؛ لكننا عرفنا الطريق وسنلزم؛ وسنمضي في مشروع تحرير فلسطين ورفع قامة الأمة؛ وسننهض بفلسطين وبالأمة من ورائها. لقد ارتطمت الأمة بقعر دورة السقوط منذ عقدين؛ ومن حينه؛ من يوم انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولي وانطلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس بدأنا دورة الصعود ولن يحول بين هذه الأمة وإعادة إحياء مجدها حائل! وإن كان أحفاد أبي رغال والكيان الصهيوني سيضربون حماس والمشروع الإسلامي بمال الشيطان؛ ونفوذ إبليس؛ وأسلحة البغي؛ ووقود العدوان؛ فسنضربهم بإذن الله بحول الله وطوله: كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية... ناصية كاذبة خاطئية... فليدع ناديه... سندع الزبانية... كلا لا تطعه واسجد واقترب !
وبهذا المعني جاءت الكلمات التي ختمت البيان رقم واحد للانتفاضة الفلسطينية المعاصرة الأولي. يقول البيان التاريخي: وللصهاينة المجرمين: ارفعوا أيديكم عن شعبنا عن مدننا عن مخيماتنا عن قرانا... معركتنا معكم معركة عقيدة ووجود وحياة. وليعلم العالم أن اليهود يرتكبون الجرائم النازية ضد شعبنا؛ وأنهم سيشربون من نفس الكأس. (ولتعلمن نبأه بعد حين).
ولا غرو؛ فتلك انتفاضة المساجد؛ وهذا بيان كُتِبَ بمعية أحمد ياسين شيخ شهداء فلسطين؛ بل بعض جمله كتبت بخط يده الكريمة!
فهل نستكثر بعد هذا كله علي الأمة أن تفرح بعيد حماس؟ أليس عيد حماس هو عيد هويتها وبعثها الجديد وعزها المقبل؟
هو كذلك إن شاء الله... إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.