بقلم : عبد الرحمان مجيد الربيعي تتميز الرواية التونسية بأسماء جديدة وبعضها لم يسبق لنا ان قرأنا له عملا منشورا نجدها أمامنا هكذا بين دفّتي كتاب يصنّف فنيا كرواية أو أن مؤلفه يجنّسه هكذا دون خوف ويقدم على طباعته وهو يتحلى بجرأة توزيعه على المعنيين من دارسين واعلاميين. والأحلام جميلة دوما ومغامرة كتابة الرواية مغرية وقد ثبت أن بإمكان اي انسان يمتلك تجربة معينة او واقعا تحت هاجس ملح ان يكتبه في عمل روائي. ولكن هل تنتهي المسألة عند هذا الحد؟ هذا التقديم ارتأيت ان أدوّنه قبل أن أتحدث عن هذه الرواية المعنونة «مواسم الجفاف» وصاحبتها هي سعدية بن سالم فقد وجدتني أمام عمل روائي تمتلك كاتبته القدرة على ان تكتب رواية مقروءة، رواية تنطلق من مناقشة مشكلة معينة. ومشكلة هذه الرواية «مواسم الجفاف» ايمان الكاتبة بالارض بل والوفاء لها وقد كانت مريم المهندسة الزراعية، ابنة الجنوب «دقاش» تحديدا الرمز الدال للوفاء للأرض وعدم التخلي عنها. ولذا حصلت من الدولة على بعض الهكتارات لتقيم عليها مشروعا زراعيا اضافة الى مكتب زراعي استشاري. لقد شحذت همّتها واعتبرت الهكتارين اللذين حصلت عليهما مشروع حياتها الذي لن تتخلى عنه وهي هنا على النقيض من خطيبها خليل الذي يبحث عن وظيفة حكومية ولمّا طال به الامد ولم يحصل عليها بدأ يفكّر بالرحيل وهناك من وعده بأن يحصل له على عمل في احدى دول الخليج العربي. كان مشروعه هذا يتقاطع مع مشروع خطيبته وربما كان تنفيذه له سيبعده عن خطيبته وان غيابه لسنوات قد يبدّل أشياء كثيرة في علاقاته وبنود حياته. ثم كان مجيء الرجل المسن ابراهيم أو عبّاس بسيارته الى مشارف «دقاش» حيث يفاجأ خليل بالرجل وهو يغادر سيارته ويتمرّغ في تراب الارض ويشمشم رائحتها. كان مايراه مشهدا غريبا لم يستطع فك لغزه وقد وضعه أمام تساؤلات محيّرة فهل كان الرجل مصابا بالخبل؟ أم ماذا؟ ولماذا يتمرّغ في التراب الذي لم يعد فيه اي نبات بعد ان صادرته مواسم الجفاف؟ ثم يعرف أنه ابن هذه الارض غادرها فتى وكان حلم العودة لها يسكنه وها قد عاد ليبحث عما كان، ليشتري بيتا لينفق ما تبقى من عمره في هذا المكان وإن مات سيدفن فيه. وليس غريبا أن أول الأماكن التي بحث عنها وزارها مقبرة القرية وضريح الولي الذي كانت أمه تكلّفه بحمل الشموع له ليلة كل جمعة. هناك تفاصيل كثيرة، اللقاء بين ابراهيم ومريم وخطيبة خليل والشبه الكبير بينها وبين مريم حبيبته التي ضاعت عنه وضاعت أخبارها. ومن الواضح ان نموذج ابراهيم هو ما سيكون عليه خليل لو أنه غادر وترك خطيبته مريم في القرية. حياة ملأى عاشها ابراهيم، عرف سجن الاستعمار الفرنسي عندما كانت تونس تحت الاحتلال وبعد أن أطلق سراحه في مفارقة غريبة قدّم مطلبا ليجنّد في الجيش الفرنسي وقاتل في الهند الصينية ثم أعيد الى الجزائر وبدلا من محاربة الثوّار صار يساعدهم ويسجن من جديد يكتشف أمره ولم يطلق سراحه الا بعد نيل تونس الاستقلال وضمن تبادل للأسرى. ما هو مهمّ في هذه الرواية انها محررة بشكل ذكي وهي نداء في وقته ان نتشبث بأرضنا وإرثنا حتى لا يفوت الاوان. ومثال ابراهيم واضح، الذي لم يجد شيئا،حبيبته تزوّجت من غيره فأصبحت عجوزا تتوكأ على عصا وأخ مشلول... ولكنه عاد بعد فوات الأوان. إننا أمام روائية ملمّة بالمكان الذي كتبت عنه، ملمّة به جغرافيا وملمّة بما حوى من عادات وتقاليد وكل تفاصيل الفلكلور بما في ذلك الأغاني والأمثال. هي رواية تقرأ ولا تبعث الملل وإقدام نقوش عربية على نشرها عمل يستأهل التحية فلا بدّ لأي دار نشر ان لا تكتفي بالمكرّسين بل وأن تبحث عن الاسماء الواعدة الجديدة. () علمت بعد كتابة هذا التقديم أن للمؤلفة سعدية بن سالم روايتين صدرتا عام 2008 منشورات نقوش عربية أيضا، هما: «أسماء مستعارة» و«بين مرافئ التيه»