كيف تكون محليا وتعبّر عن بيئتك وتشكل عالمك الخاص لتفرض نصك بعيدا عن المتداول من الأفكار؟ كيف تعبر عن نفسك وتكون وفيا لشخوصك دون التعسف عليهم وتحميلهم ما لا يطيقون؟ كيف نقتحم عالم الرواية لنحتل مقعدا ضمن عالم ضجّ بالكتابة حتى صار من الصعب أن تحجز مقعدا دون أن تسطو على مقعد محجوز أو ترمي ب«التلاص» أو تكرر ما قيل في عوالم «الشوامل» و«الهوامل» و«الهوانم» والعوالم! الروائية سعدية بن سالم اختارت عالمها في روايتها الصادرة عن دار نقوش عربية.. سيّجت مجال تحركها وفضائها. «مواسم الجفاف»، هي رواية الأرض من بنية تعرضها جيدا وهي ابنة الجنوب (دقاش تحديدا). الأرض والتعلق بها هي كلمة السرّ وحول هذا المحور تدور كل العناوين الأخرى (غيرة وحب هجرة وهجران وفاء ونكران).. مريم المهندسة الزراعية الشخصية المحورية هي رمز الوفاء والتعلق بالأرض.. هي المرأة العاملة الكادحة.. مريم لم تكن استثناء في الرواية، بل كانت عنصرا مهما ضمن منظومة نضالية انخرطت فيها النساء.. عطاء نساء سعدية، نساء العطاء، ينابيع تتدفق في «مواسم الجفاف» خطابهن كان منسجما مع بيئتهن.. حب للأرض والأبناء ورغبة في الاستقرار وحب عفيف وانضباط لسلطة العائلة مع «تمرد» محتشم.. وخلافا لمريم لم يكن لخليل خطيبها التمسك بالأرض ذاته.. لقد لعبت سعدية على محاور الحبّ والتمسك بالأرض والهجرة ثم سرعان ما كسرت الرتابة التي بدأت تتسلل الى صفحات «المواسم» فأدخلت عنصر شخصية «الغريب» ابراهم أو «عباس».. فكان لغموضه تشويق ساهم في ادخال نفس جديد أتاح لها المجال كي تعود الى المحور الأول قبل الانخراط في منظومة الكفاح ضد المستعمر.. حديث عن السجون والمستعمرات الفرنسية وإدانة لثقافة «التنوير» التي بشر بها جيش الاحتلال تستحضر سعدية مقولة «هاي المرحلة»؟! عبارة الشهيد صدام حسين في وجه جلاديه.. الصورة أعيدت للأذهان وعساكر فرنسا يبثون الرعب تعذيبا ومتابعة لمن انخرط في الجيش الفرنسي ليعين الثورة والثوار.. ويا للمفارقة! المندسون الوطنيون تحت سياط التعذيب.. الخط كشف اللعبة ومقارنة بسيطة بينه وبين رسالة تائهة كانت كفيلة بأن «تجتهد» السياط وآلات التعذيب؟! تأصيل في «مواسم الجفاف» تأصيل ووفاء وصدق حيث لم تعمد سعدية الى كثير من الزخرف واقتصدت في التجميل والتزويق فكانت وفية لبيئة تشبعت بروحها لهجة وفلكلورا وتضاريس وأمثالا وأغاني.. سعدية بن سالم كتبت نصّها ولم تكن إلا سعدية لم تنخرط في «الغرائبي» ولا الغرائزي وتخلّت عن كل أسلحة الابهار لتحقيق النجاح السريع والادهاش الخلاب. دون أسلحة تذكر فقط كانت وفية لبيئتها وآمنت بقضية مثل إيمانها بنصها..