بعد الاستيلاء على الأرض، يتواصل الاستيلاء على الذاكرة. وبعد السطو على الجغرافيا، يتواصل السطو على التاريخ. هكذا كانت اسرائيل منذ زرعها غصبا في فلسطينالمحتلة وهكذا تستمر... بعد الاستيطان وحملات التهويد في القدسالمحتلة وفي باقي الأراضي الفلسطينية، وبعد جدار الفصل العنصري، طلعت حكومة نتنياهو بإجراء جديد سوف تكون له بالتأكيد تداعيات كبيرة وخطيرة لجهة تعلقه بمقدسات دينية للمسلمين... وذلك من خلال قرار الحكومة الاسرائيلية ضم الحرم الابراهيمي الشريف ومواقع أخرى في الضفة الغربية الى قائمة المواقع الأثرية اليهودية... هذا القرار، وعلاوة على أنه يشكل استهانة بمشاعر الشعب الفلسطيني وبمشاعر المسلمين في كل مكان، فإنه يبعث برسالة واضحة عن مدى تسامح قادة هذا الكيان وعن مدى احترامهم لمقدسات الآخرين وهم الذين دأبوا على أن يقيموا الدنيا ولا يقعدوها كلما اقترب أحد حتى من أساطير صهيونية مختلقة. وفوق كل هذا فإن هذا الاجراء يلغم طريق المفاوضات ويوجه ضربة قاصمة لكل جهد جدّي يهدف الى استعادة المفاوضات بغية التوصل الى سلام عادل وتقبل به كل الأطراف. كما يرسل اشارة واضحة الى «الراعي» الأمريكي والى «الشريك» الفلسطيني والى كل العالم مفادها ان السلام هو آخرما يفكّر فيه هذا الكيان... الذي يصرّ على التمادي في رفض قرارات الشرعية الدولية الملزمة وفي تحدي رغبة المجتمع الدولي من خلال اصراره على المضي على درب التصعيد والمواجهة... غير عابئ لا بحقوق شعب محتل ولا بتوجه العرب والعالم نحو سلام عادل وشامل... ان الرسالة التي بعثت بها حكومة نتنياهو أول أمس هي رسالة متعددة الاتجاهات ولكن مضمونها واحد: ان هذا الكيان غير معني بالتهدئة ولا بتوفير أجواء ملائمة لعودة المفاوضات ولا بإحلال السلام... وما على المتلقين وبصفة خاصة الفلسطينيين ومن ورائهم كل العرب قراءة الرسالة جيدا والتوقف عند خطورة أن نراهن على صنع السلام مع طرف لا يريد السلام... وان نضع كل بيضنا في سلّة السلام ونعدّه خيارا استراتيجيا... ها هو العدو يواصل السير في نهج التصعيد ويدير ظهره بالكامل للسلام ولمقتضياته ويستفزّ مشاعر مئات ملايين المسلمين... فماذا نحن فاعلون والى متى نرفض بلورة بدائل أخرى دفاعا عن حقوقنا وعن مقدّساتنا؟