مع بداية العام الجديد يحدونا الأمل إلى أن ننظر لكل ما حولنا بتفاؤل، ونحرص على الخروج منه لعام يليه ثم الذي يليه متمتعين بالصحة والعافية وشاكرين اللّه على نعمه وفي كل الأحوال. كما تابعنا جميعا أحوال العامين السابقين، وكيف أن العالم كله عاش تجارب مريرة بين كوارث طبيعية وصناعية بشرية، وهجمات شرسة من أمراض معدية، إضافة إلى تقلبات في الأحوال المعيشية. استأثرت هذه الأخيرة بحديث الأسر وموضوعات الصحف ومناقشات الفضائيات، حيث أن مع زيادة تكاليف المعيشة ازداد القلق على مستقبل الأسرة عامة والأبناء بصفة خاصة. لم يكن هذا الوضع بجديد ولكن حجمه تغير للأسوأ وأصبحت لدى أفراد المجتمع نزعة الاقتراض التي رفعتهم صوريا، وأنزلتهم واقعيا في مأساة تلو أخرى، مما وصل بالوضع إلى حاجتنا إلى العلماء والمختصين والمثقفين والمتمكنين لوقف النزيف ووقف انتشار العدوى مع الاسراع في الافاقة من غفوة مكلفة جدا. الديون.. مرة أخرى هي العادة السيئة التي استمرت دونما تحرك جاد حيال وضع ضابط نفسي وعقلاني يحد من مخاطرها. كثيرون يصرون على أن المظهر الاجتماعي هو هوية الفرد اليوم. فيقلدون ذوي القدرة المالية العالية في مأكلهم أو حركتهم أو إجمالا في معيشتهم، باحثين عن المساواة والعدالة. هؤلاء فينا كثر ولكن هل نعلم ما حجم المشكلة فعليا؟ وما إذا كان ذلك مؤثرا في النسيج الاجتماعي والنهضة المنتظرة ونحن في رخاء اقتصادي اليوم؟ ما مدى تأثر أجيالنا القادمة بأوضاعنا المالية الفردية الحالية؟ إننا نورث لهم مبدأ مخيفا بأنه: حالما تعجز السيولة عن تحقيق الأهداف، الجأ للاقتراض فذلك يحافظ على مكانتك الاجتماعية!». فهل يمكن أن نعكس المفهوم؟ في واقعنا عديد من الأمثلة. فنظريا لا بدّ أن يكون أبناؤنا الملتحقون بالجامعات، أكثر المسلحين بالايمان والعلم والمعرفة. إلا أنه في الواقع يتردد البعض على المقاهي بشكل يومي تقريبا. ويجتمعون أسبوعيا في الاستراحات على وجبات دسمة مكلفة، وينفقون على الكماليات ما يجعل بعضهم يقترضون وقد يرهقون أسرهم إلى حد الاستدانة. وإذا ما تخرجوا ندبوا حظوظهم بعدم وجود وظائف، وإذا وجدوا الوظائف تصبح آمالهم في تسلم مرتبات عالية لا تلبث أن تتكسر. أيضا من الناس من يسعى لأن يلتحق بكلية الاقتصاد ليكون محللا اقتصاديا في هذه الصحيفة أو تلك القناة الفضائية، فيشتهر ويكون اسمه على كل لسان، إلا أنه يطالب والده بالمصروف اليومي أو الأسبوعي حتى بعد تخرجه، وإلى أن تقدم له الوظيفة المريحة الجيدة، دون أن يسعى لها بما تسلح به من علم! ومن الناس من يريد أن يصبح أمهر طباخ في أفضل المواقع، إلا أنه يتناول وجباته الثلاث خارج المنزل، وعندما يتناولها تكون دهنية ونشوية وصبغات مسرطنة.. إلخ، هو لا يعرف حتى كيف تم طبخها! وجدت أيضا شريحة تجاهد في تسديد ديونها على مدار العام، ولكن ما إن يحل الصيف حتى ينفق بسخاء لإراحة الأعصاب..! لا شك أن هنا تكمن مشكلة تحتاج منا إلى تسليط الضوء بكل وسيلة متخصصة ومنهجية وعلمية ممكنة، لنتمكن من تفاديها قبل أن تتفاقم، فتصبح مع مغريات الحياة واندفاع الجيل الصاعد، بمثابة مصائد تجعل كل عام يمر علينا عبارة عن حقبة «أزمة مالية» جديدة. لو كان المال لمؤسسة أو شركة، فهناك مستشار مالي، ومكاتب للمحاسبة القانونية، ودراسات تضع مسار المؤسسة ماليا خطوة بخطوة.. إلخ لتخلصها من كبوتها. لكن ماذا يتوفر للفرد أو الأسرة لحمايتها من الوقوع في كوارث مالية؟.. هل هناك احصاءات دقيقة أخذت من تعامل يومي مع الفرد أو الأسرة توضح السلوكيات والدوافع عند الشراء أو الاستثمار بتهور؟.. وما مدى تأثير ذلك في نفسه وأهله وأقاربه بل وفي مستقبله ومستقبل كل من حوله..؟ وهل لدينا حجم الديون العائلية ومدى تأثيرها في المجتمع وتسارع النهضة التي نعيشها؟ هل الصناديق العائلية أو الأسرية يمكن أن تذيب هذه المعضلات؟ وإلى أي مدى يمكن ذلك؟ وبأي الضوابط يمكن أن تمثل حلا جيدا؟.. من وجهة نظر شخصية سيكون القادم أكثر إيلاما إذا لم نتحصن له بالتطعيم الناجع، ونبدأ في العلاج بأساليب منهجية وشاملة حتى ولو كانت عصرية مستحدثة، لأن الأجيال القادمة تنتظر منا الكثير..