تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أين ينفق التونسي... «بلا حساب»؟ : فتّش عن التداين و«المداخيل الجانبية»
نشر في الشروق يوم 18 - 10 - 2010

هناك معادلة جديدة ترسخت خلال السنوات الأخيرة في المجتمع التونسي وباتت عصيّة على الفهم وتتمثل في أن التونسي أصبح دائم التشكي من غلاء الأسعار والتذمّر من العجز عن ملاحقة المناسبات الانفاقية المتتالية، وفي المقابل فإنه لا يتأخر عن «الاحتفال» بكل المناسبات والانفاق بما يفوق قدرته ومداخيله.
ويطرح سؤال نفسه: كيف يتدبّر التونسي أمره ويأتي بالأموال اللازمة وهل من السهل عليه الاقتراض من العائلة والأصدقاء والتداين من المؤسسات المالية أم أن الجميع انخرط في مسار تحصيل مداخيل «جانبية» من هنا وهناك؟.
لتفسير هذه المعادلة وفك ألغازها رصدت «الشروق» آراء مواطنين من مختلف المهن والمدن عبر شبكة مراسليها ومكاتبها فكان التحقيق التالي.
قابس المواطن أضاع البوصلة وصار عبدا للاستهلاك
الشروق مكتب قابس :
«غلبت علينا شهواتنا وصرنا عبيدا لها وأصابنا «فيروس» الاستهلاك المفرط» بهذه الكلمات بدأ بوبكر الحناشي حديثه عن المفارقة العجيبة التي أصبح يعيشها التونسي بين كثرة شكواه من تعدد المناسبات الاستهلاكية واستنزافها لإمكانياته المادية من ناحية وانخراطه الكلي فيها وعدم ترشيده لنفقاته من ناحية ثانية.
ويواصل أستاذ التعليم الثانوي حديثه متعجبا «لنا قدرة غريبة وعجيبة على القفز فوق الإمكانيات وتجاوز الضروريات إلى الكماليات لتصبح هذه الأخيرة لا غنى عنها ووسيلتنا لتحقيق ذلك قروض استهلاكية تشد بتلابيب بعضها حتى يدخل الواحد منا في دوامة العادات الاستهلاكية وقد لعب في الحقيقة تطور تكنولوجيات الاتصال من ناحية وارتفاع مستوى الدخل الفردي وتعدد الموارد المالية الأسرية بفضل عمل الزوجة من ناحية ثانية دورا كبيرا في «تنميط» سلوكاتنا وتقليد بعضنا البعض ومحاولة النسج على منوال هذا وذاك حتى لا يكون صاحبها خارج الزمن... ولكن بأي ثمن؟.
مكره أخاك...
بشير السقة موظف باحدى الشركات الخاصة وجدناه يصطحب زوجته وابنتيه بعد جولة «تسوقية» حصيلتها أكياس منتفخة ملابس وأشياء أخرى... تحدث بشيء من عدم الاكتراث بكثرة المصاريف «لم يعد أمامنا خيار سوى التصرف على منوال الآخرين حتى تبتعد عن المنغصات (قالها ضاحكا والتفت إلى زوجته) ولكن هذا لا يعني أننا لا نحس وطأة المصاريف المتتالية التي تكبلك وتمنعك من التوفير خاصة إذا كان كل ما تملكه من منزل وسيارة وغيرهما بقروض مؤجلة ولولا عمل زوجتي إلى جانبي لعجزنا عن توفير أبسط مستلزمات الأسرة».
القروض... القروض
الصادق التويتي مرب باحدى المدارس الابتدائية يعتبر تضاعف مصاريف العائلات أمرا طبيعيا بعد أن تعددت المناسبات الاستهلاكية ولم يعد رب الأسرة قادرا على مجابهتها إلا بالقروض البنكية أو الاقتراض من بعض الأصدقاء الميسورين فقد غابت في السنوات الأخيرة فكرة الادخار بما أن «الطايح مرفوع» وكل هذه الظروف تجعل أرباب الأسر يتذمرون من الضغط الذي يعيشونه ولا يستطيعون تغييره بما فرضه أفراد الأسرة من مطالب متجددة تجعلك في سياق لا ينتهي من توفير طلبات قديمة إلى تلقي طلبات جديدة... ولا شك أن تنوع طلبات الأشياء تقليدا لأصدقائهم جعل الأولياء يحاولون توفيرها رغم علمهم بأنها تتجاوز امكانياتهم المادية فتراهم يشتكون في كل وقت وحين من كثرة المصاريف ولكنهم في المقابل لا يستطيعون رفض مطالب أبنائهم أو زوجاتهم لأسباب مختلفة أما حبا أو خوفا أو تجنبا للمشاكل العائلية».
نبيل العمامي
المنستير : الإدخار والتداين لمواجهة المناسبات
مكتب الساحل الشروق :
كثيرة هي المناسبات وكثيرة هي الأعياد. وكلها مواعيد هامة في حياة المواطن الذي يرفض أن تمر دون أن يحتفل بها على طريقته الخاصة.. مواعيد تتطلب مصاريف كثيرة ترهق في أحيان عديدة جيب المواطن وهذه المصاريف تتوزع على كامل فترات السنة وقد تنضاف إليها في جهة الساحل مثلا مصاريف تكميلية تستوجبها العولة... عولة «المحمص» و«البسيسة» و«الفلفل المرحي» والزيت. ومع ذلك فالمواطن في جهة الساحل كغيره من المواطنين في مختلف جهات الجمهورية ومهما كانت وظيفته ومهما كان مرتبه ومهما كانت حالته الاجتماعية يسعى جاهدا إلى أن يفي بالتزاماته مع العائلة في مثل هذه المناسبات فلا يفوت الفرصة دون أن يشتري كبش العيد أو أن يعد عصيدة المولد أو يلبي رغبات وحاجيات الأطفال في عيد الفطر وعند العودة المدرسية كما لا يبخل على شراء خبزة المرطبات والدجاج المصلي في رأس السنة الميلادية.. حتى الورود في عيد الحب والهدايا في أعياد الميلاد وإعطاء الهبات للناجحين وغيرهم صارت خبزا يوميا وتقاليد لا مفر منها فرضتها عليهم تطورات العصر.
المناسبات لا تحصى ولا تعد والمصاريف لا حدود لها، والاحتفال بكل ذلك أمر مفروض لا مفر منه لكن مقابل ذلك ومقابل الحرص على الدفع بسخاء لا يخفي المواطن في كل مرة تذمره من الدفع المتواصل فيقول بأن غلاء المعيشة نغص حياته وكثرة المصاريف أرقت لياليه وأرهقت جيبه.. أقوال غير مشفوعة بالأفعال حيث مقابل هذا التذمر يكون المواطن دائما في الموعد للدفع بسخاء فمن أين يأتي بالأموال ليواجه هذا السيل الجارف من المصاريف؟ سؤال طرحته «الشروق» على عدد من مواطني ولاية المنستير فجاءت إجاباتهم ضمن سياق التحقيق التالي :
الإدخار.. التداين
«أدخر ما تيسر من مرتبي في نهاية كل شهر لمجابهة كثرة المصاريف في مختلف المناسبات» هكذا علقت السيدة زينوبة الحذيري (مربية) قبل أن تضيف «المناسبات في حياتنا عديدة وهي أكثر من أن تحصى وتعد وبعضها قار على غرار الأعياد الدينية وبعضها الآخر عرضي، وكل هذه المناسبات وحتى التي يقل شأنها تثقل كاهل المواطن وشخصيا تعودت منذ سنوات على ادخار جزء من مرتبي أتفادى به غصرات الساعات الأخيرة. وبفضل ذلك تمكنت من تجاوز كل الأزمات المالية التي يمكن أن تحدث في أي حين...».
وإذا كانت السيدة زينوبة وجدت الحل في الإدخار فإن السيد رضا اليوسفي لديه رأي آخر إذ قال «مرتبي لا يكفي حتى للمصروف العادي وكثيرا ما ألتجئ إلى التداين من الأهل والجيران أو الحصول على قرض من البنك لمواجهة مصاريف المناسبات الكبرى. فأنا لا أتصور نفسي بلا كبش في عيد الاضحى وبلا حلويات وبلا ملابس جديدة للأطفال في عيد الفطر وبلا عصيدة في المولد وبلا عولة في فصل الصيف، فزوجتي ربة بيت.. لا تعمل وكثيرا ما تقتصد من أجل تسديد الديون، فالمهم عندي أن أكون وفيا لالتزاماتي العائلية ومع الناس حتى لا أفقد ثقتهم بي.
كل من تحدثنا إليهم أجمعوا على أن الحل المناسب لمجابهة سيل المصاريف يبقى في الادخار أو التداين أو الاقتراض أو حتى «الجمعية» في المؤسسات إلا السيد شاكر الهاني (موظف بإدارة) فقد بدا مختلفا عن الجميع. فهو لم يخف استغرابه من شخص يثقل كاهله ويورط نفسه في ديون مقابل الانسياق وراء الشهوات أو مواكبة المناسبات وعن نفسه قال : «لا أهتم كثيرا بالمناسبات ولا أبالي بها فأنا على قدر كسائي أمد رجلي وأرفض التداين من أجل شراء كبش أو غيره. أصرف حسب طاقتي وامكانياتي، فكم من عيد مضى ولم أشتر فيه خروفا ومع ذلك فأنا أحيا والحمد لله. عندما يكون معي أصرف وعندما تتأزم الأمور أقف عند حدود امكانياتي وقد عودت عائلتي علىذلك».
إعداد : المهدي خليفة
القيروان : التداين والمداخيل الجانبية لتعزيز المرتب
القيروان الشروق
تختلف القدرة الشرائية حسب الموارد المالية لكل عائلة، كما تختلف طرق مواجهة كثرة المصاريف وتتالي المحطات الاستهلاكية التي يشتكي من ثقلها الجميع. تشتد الغصرات ثم تنفرج الأزمات مثل العواصف ومن الناس من ينحني لها الى حين تنفرج الأمور ومنهم من يتحدى... ولكل وصفته السحرية.
التداين والاقتراض والأعمال الجانبية والإضافية والمشاريع الصغيرة، هي منافذ بعض أرباب الأسر لتجاوز كثرة الطلبات. من موسم الأعراس والاصطياف الى مصاريف شهر رمضان مرورا بعيد الفطر وصولا الى العودة المدرسية وما يصاحبها من دروس ونفقات الى عيد الإضحى.
تنظيم وإدخار
تنظيم الأولويات وتجنب الاستهلاك العشوائي هي المفتاح السري لتجاوز الغصرات المالية بحسب السيد خالد المبروك (موظف) الذي ذكر أنه تمكن من تجاوز المحن الاستهلاكية بفضل خطته الاستهلاكية المنظمة. وأوضح أنه يرتب أولوياته فيقدم الضرورات على الكماليات ويحدد مخصصات مالية لكل مناسبة عن طريق الإدخار المنزلي وبرمجة المداخيل بالتوازي مع النفقات والمناسبات. وبين أنه مثلا يخصص حصالة لجمع ثمن أضحية العيد ويضع فيها مبلغ 30 دينارا شهريا. ملمحا الى دور ترشيد الاستهلاك وعدم التهافت على نقاط الاستهلاك الى جانب الإدخار لمن استطاع إليه سبيلا.
حين ميسرة
«شاشية هذا فوق رأس هذا»... يبدو أن هذا التوصيف الشعبي لمسألة التداين والاقتراض يعد أحد الحلول المعتمدة لتجاوز الضائقات المالية المتواصلة لدى البعض. ولمجابهة كثرة المصاريف بحسب السيد نزار (موظف) الذي يرى أن التداين وبالرغم من سلبياته الاقتصادية فإنه يمثل سلسلة مترابطة موضحا انه السبيل الوحيد لنجاة رب الأسرة أمام ضعف الموارد المالية ولتنشيط قصور المرتب مقارنة بجبل النفقات ومسلسل المحطات الاستهلاكية الذي يكبل الأسر. وبين أن البعض يلتجئ الى الاقتراض من أجل أن يحافظ على الوجاهة الاجتماعية (قرض السيارة) ولمجاراة التنافس المحموم والتباهي بين الجيران والأقارب.
ورغم ضعف مرتب بعض الموظفين إلا أن توفر الموارد القارة يبيح لهم التداين وخلاص ما تخلذ بالذمة عاجلا أو آجلا. لكن ماذا عن العامل اليومي ورب الأسرة العاطل الذي لا يجد ما يرد به الدين فيلجأ الى سبل أخرى. ويرى السيد زهير (عامل) أن كثرة المصاريف تجبره على التداين من الجيران والأقارب والتعامل ب «الطلوق» أي اقتناء حاجياته مع الدفع المؤجل سواء الأدوات المدرسية والملابس أو حتى أضحية العيد. كما بين أنه يتلزم بحدود مداخيله والاكتفاء بقدرته الشرائية وهو ما يعني حسب تلميحه حرمان أسرته من عديد الحاجيات.
موارد جانبية
غير أن بعض العائلات ترفض الخضوع لثقل الديون وتلتزم بنظام استهلاكي محدد كما تلتجئ الى طرق أبواب موارد مالية إضافية. وأوضح السيد صالح (موظف) وأصيل إحدى المناطق الريفية بالقيروان في هذا الجانب أنه يعتمد في تجاوز ضائقته المالية على مردود مشروع تربية الماشية الذي يدر عليه مبالغ مالية قد لا تكون كبيرة لكنها توفر له أضحية العيد وتمكنه من مجابهة مصاريف المواسم الاستهلاكية وأشغال بناء منزله وذلك رغم غلاء الأعلاف حسب قوله.
أما السيد مكرم فيذكر في هذا الباب أنه يقوم بأعمال ربط وإصلاح الهوائيات بما يمكنه من توفير مداخيل موازية تعزز قدرة مرتبه وبين أنه لولا هذه المداخيل لما تمكن البتة من تحقيق التوازن بين الطلبات والمرتب المتواضع وهو نفس موقف السيد عمر (عامل) الذي يشتغل أيام الآحاد على متن سيارة نقل ريفي من أجل توفير بعض الدنانير قال أنه يخصصها لدروس تدارك ابنه كما أكد أن حصول ابنه على وظيفة مكنه من تجاوز الغصرات بأخف الأضرار والديون.
من جهة ثانية أشار بعض من التقينا بهم الى أن ظاهرة السعي المحموم لتجاوز المشاكل المادية لا تدفع الى التداين والاعتماد على المساعدات الرسمية للجمعيات ورهن المصوغ وانقطاع الأبناء عن الدراسة من أجل مساعدة الأولياء على تدبر شؤونهم بل تدفع طائفة من الناس الى اعتماد أساليب مختلفة في تحصيل المال تتراوح بين التحيل سيما في الإدعاء على القدرة في توفير عمل عام أو خاص، أو في طلب «القهوة» التي يختلف سكرها حسب الخدمة وهذا الأمر رغم محدوديته إلا أنه يمكن المستفيدين منه من مبالغ مالية هامة.
ناجح الزغدودي
سيدي بوزيد : الاقتراض والمشاريع الموازية أهم ركائز الصمود والتحدي
سيدي بوزيد الشروق
كيف تتدبر العائلات البوزيدية أمورها لتجاوز مختلف المناسبات التي تتلاحق الواحدة تلو الأخرى على مدار السنة خصوصا وأن المواطنين يتذمرون من تفاقم المصاريف فيها؟ لماذا لم تتوقف طاحونة المصاريف إذا صار المواطن عاجزا عن توفير لقمة العيش أو الاحتياطي لمجابهة المنابات الإنفاقية؟ وهل ثمة من المواطنين في جهة سيدي بوزيد من لا يعطي أهمية لهذه المناسبات ولا يعيرها أي اهتمام ولا ينفق فيها؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها حول صمود المواطن أمام تواتر المحطات الإنفاقية الكثيرة وتحمله كثرة المصاريف وتفاقمها استجوبت «الشروق» ثلاثة أشخاص وخرجت بالتصريحات التالية:
السيد الأمين (موظف) صرّح أن المواطن في كافة أنحاء البلاد التونسية أصبح غير قادر على التحكم في ميزانيته الشهرية والسنوية لأن القيمة الحقيقية للدينار التونسي قد تقلصت أمام «غول» المصاريف وارتفاع الأسعار في شتى المواد والمجالات من جهة وأصبح غير قادر على كبح جماح الشهوات والعدول عن تقليد الآخرين من جهة أخرى فتراه لا يلتزم بالتصرف في حدود قدرته الشرائية حسب مرتبه الشهري بل تراه يلهث للبحث عن مصادر تمويلية أخرى حتى وإن كلفه ذلك ما كلفه وما كثرة المؤسسات البنكية والجمعيات التنموية والحكومية والجمعيات الخاصة إلا دليل على ذلك إذ أنه يوجد أكثر من 90 ٪ من الموظفين في جهة سيدي بوزيد يقترضون من هذه المؤسسات وذلك لمجابهة كل هذه المناسبات والمحطات الإنفاقية في كل مرة وليس لهم من حلول غير هذه الإجراءات رغم ارتفاع الزيادات في فوائض القروض.
ويتوقع السيد الأمين أن المواطن سيكون في السنوات القادمة أكثر تأثرا بمخلفات وانعكاسات هذه المديونية وسيكون أكثر عجزا مما هو عليه الآن لأنه لم يعد قادرا على الإدخار وعلى القيام بالمشاريع الصغرى وخاصة الفلاحية منها...
ومن جهتها ذكرت السيدة عيشة أنه على الرغم من تظافر جهود كل أفراد عائلتها على توفير الحاجيات اليومية بفضل ما تتحصل عليه يوميا من أموال من كبار الفلاحين في منطقة الرقاب الذين يشغلون مئات العائلات فإن عائلتها لم تعد قادرة على مجابهة المناسبات الكبيرة كالعودة المدرسية وعيدي الفطر والإضحى وشهر رمضان لذلك فإن أربعة أفراد من عائلتها قد اقترضوا من جمعية «إندا» الكائنة بسيدي بوزيد المدينة هذه السنة رغم ارتفاع قيمة أقساط القروض فيها وقصر مدة خلاصها (10 أشهر فقط).
وتؤكد السيد عيشة أن المواطن في سيدي بوزيد أصبح بالفعل غير قادر على مسايرة المحطات الإنفاقية بسهولة وأضحى يعاني من كثرة الهموم والتفكير في تجاوز الصعوبات التي تجبره في كل مرة على التداين أو على بيع جزء من ممتلكاته وذكر لنا عدد من الأشخاص الذين تأزمت أوضاعهم وساءت أحوالهم الصحية من جراء التداين.
أما السيد رضا فقد قال إن صمود المواطن وقوفه أمام تتالي هذه المناسبات المكلفة يعود الفضل فيه الى ممارسة بعض المهن والحرف الخاصة بالتوازي مع مهنته الرسمية كممارسة التجارة والانتصاب في الأسواق الأسبوعية أو تعاطي بعض الأنشطة الفلاحية كتربية الخرفان والأرانب وغيرها خارج أوقات العمل وأثناء أيام الراحة.
وأضاف «ان المواطن في سيدي بوزيد رغم بساطة عيشه لا يهدأ ولا يعرف الراحة ومع ذلك فإنه يتخبط في القروض من مختلف المصادر والمؤسسات التمويلية الموجودة في الجهة».
وختم حديثه معنا قائلا: «ثمة من بعض الأصدقاء الموظفين في قريتي من لا يتقاضى ولو مليما واحدا من «شهريته» بسبب الديون المتخلدة بذمته بسبب كثرة المناسبات التي أنفق فيها الكثير من جراء الضغوطات المسلطة عليه من أفراد العائلة لذلك فإني أدعو كل المواطنين والمسؤولين الى البحث عن حلول أخرى تجنبنا كل هذه المشاكل وتحد من تفاقمها حتى لا تكثر السرقات ولا تتدنى الأخلاق بسبب اللهفة والجري وراء المادة لتوفير الحاجيات وتلبية الرغبات اللامتناهية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.