السودان قارة وسط القارة... أكبر دولة عربية وافريقية بمساحتها التي تزيد عن مليونين ونصف المليون كلم مربع تلامس حدود تسع دول هي ليبيا ومصر وتشاد وافريقيا الوسطى واريتريا وأوغندا والكونغو وكينيا وأثيوبيا مع سواحل على البحر الأحمر... مطمورة افريقيا كما نعتت بما تتوفر عليه من أنهار ومياه (أهمها النيل وروافده) وأراض خصبة فوق الارض وتحت الارض... سكانها أربعون مليونا أو يزيدون قليلا وباستطاعتها أن تؤوي أضعاف ذلك مع تنوع عرقي قل مثيله من عرب ونوبيين ودينكا وفور وعرشات العرقيات الاخرى ومئات اللغات واللهجات وقد قامت في أرضها الشاسعة في زمن سابق ممالك ودول في الشمال وعلى النيل الازرق وفي الشرق وفي دارفور... تاريخها عريق يضرب في أعماق الماضي السحيق ورجالها أشاوس وكانت لهم في الوطنية صولات وفي الدفاع عن العروبة والاسلام جولات. حكمت من الخارج أحقابا وتعاقبت عليها حضارات وهي التي أعطت اسمها لما يسمى الآن دول الساحل أو بلاد السودان... ولكن. بين دخيل محتل وصراعات لا تفتر وتناحر بين الاهل وتآمر من قوى معادية وتحزب لزعامات ورؤساء عشائر وزعماء قبائل ومشائخ صوفية وبعد ثورة المهدي الظافرة ضد الانقليز ومن بعدها ثورة علي عبد اللطيف وبعد حكم مصري وأنقليزي نال السودان استقلاله في الاول من جانفي 1956... استقل السودان وهو بذلك جدير... واعتلى سدة الحكم اسماعيل الازهري الذي تعرض لمحاولة انقلاب أولى فاشلة عام 57 أعقبتها ثانية ناجحة في نوفمبر 58 أوصلت الفريق ابراهيم عبود الى الحكم الذي استبد به ونكل قتلا وتشريدا وسجنا بكل من ناوأه أو حاول الانقلاب عليه... لكنه أطاحت به أكبر ثورة شعبية شهدتها السودان في تاريخها الحديث في أكتوبر 1964. وعاد المدنيون للحكم في ظل نظام «ديمقراطي» فترة... ليعود الجيش للحكم بقيادة جعفر النميري الذي تعرض بدوره لسلسلة محاولات انقلابية توّجت بثورة شعبية أطاحت به عام 69 ليعود السودان لحكم مدني لفترة وجيزة قبل أن يأتي انقلاب جديد بعمر البشير الى الحكم بمعاونة حسن الترابي صانع الانقلابات والزعامات والمثير للكثير من الجدل والمشاكل. البشير تعرض بدوره لبعض المحاولات الانقلابية بعضها حقيقي وبعضها وهمي... هذا التناحر المستمر ليس إلا فصلا مما يعانيه السودان من مشاكل أخرى أو ربما سببا فيها... الثورة في الجنوب... الثورة في الشرق... الثورة في دارفور... العلاقات السيئة في معظم الاحيان مع اريتريا وكذلك مع تشاد... الصدام مع محكمة الجزاء الدولية ومطالبة مدعيها العام باعتقال البشير الخ... والصراعات الداخلية بين زعماء حكموا أو عارضوا: الطائفة الختمية القوية وزعماؤها من عائلة الميرغني... الصادق المهدي وحزب الأمة وارث الثورة المهدية... حسن الترابي وما يمثله من زعامة لتيار إسلامي لا هو بضعيف فيضمحل ولا بقوي فيسود... ويقف السودان اليوم على أعتاب مرحلة هي من أخطر مراحله وعليها قد يتوقف مصيره بالكامل كدولة... فهو على أبواب انتخابات طال انتظارها... وهو يخوض مفاوضات حاسمة مع الحركات الدارفورية لانهاء ما عاناه إقليم دارفور من مآس بعدما اتفق البشير مع الرئيس التشادي على دفن أيام الصراع وحل الازمة الدارفورية. وبالرغم من الحذر لدى كثيرين فإن الأمل معقود على أن يوضع حد لمأساة دارفور وإن كان عبد الواحد النور «المناضل» حتى آخر قطرة في فنادق باريس والذي يفخر بأنه صديق اسرائيل وقد زارها فانفضّ من حوله معظم من ساروا وراءه في يوم من الايام... انتخابات موعدها افريل واستفتاء على مستقبل الجنوب بموجب اتفاقية نيفاشا موعده مطلع العام القادم... ونتيجة انتخابات أفريل سيكون لها أكبر الاثر على الاستفتاء والاستفتاء سيكون له أكبر الاثر على وحدة السودان وشعبه... وبعدهما معا يتحدد مصير هذا البلد العربي فإما الى وحدة وتآخ ووفاق يبقيه بين أحضان أمته أو الى فرقة تؤدي الى تشظّيه مثلما يسعى أعداؤه ومنهم اسرائيل التي رحلت منه الآلاف على أنهم من اليهود الفلاشا. وسيحكم التاريخ على «زعماء السودان»... فإما تجاوز عن الحزبية المقيتة والسلطوية المدمرة والتناحر الناسف وبالتالي إنقاذ للوطن وإما استمرار على النهج نفسه وخيانة السودانيين والعرب والمسلمين ولعنة التاريخ الى أبد الدهر.