في اختتام الأيام الدراسية والتطبيقية للمسرح والفنون المرئية بالمعهد الأعلى للفنون الجميلة بسوسة تمّ تقديم عرض «سيدي بنادم» المقتبس عن «الكرنفال» للحبيب شبيل تمثيل الصحبي بن فرج وعن نص عبد الكريم كريم ونزار بن فرج بحضور جمهور غفير. فيما كان أغلبية الطلبة يتابعون العرض المسرحي استغلّ آخرون الفرصة لتحضير عرض من العروض القياسية المبرمجة في تلك السهرة الختامية حرصوا فيه على التكتم الشديد لصنع عنصر المفاجأة ولكن للأسف كان بمثابة الفاجعة حيث هبّ الكل على وقع صياح أحد الطلبة قائلا: «أفيقوا، ما تقومون به ليس بفنّ ولا يوصلكم الى الابداع الخالد، أنا سئمت من هذا الضّيق أريد أن أبدع لذلك قرّرت وضع حدّا لحياتي». أزمات لم يكن أحد يظن أن ما قاله زميلهم هو نص مسرحي يمهّد لمحاولة انتحار وبالفعل ربط في رقبته حبلا فهبّ الكلّ لإثنائه عن ذلك وتعالى الصياح والبكاء علما وأن هذا الطالب محمد المحمدي مهّد لهذا العرض قبل أسبوع بافتعال أزمات نفسية أمام زملائه وتذمّره مما يتلقّاه من أغلب أساتذته الذي لا يساعد على الابداع بالمرة وتظاهر محمد باليأس والاضطرابات النفسية مما جعل الصورة تنطبق ليلة العرض حيث رمى بنفسه من الطابق العلوي معلّقا بحبل في رقبته عندها تحوّل صياح الطلبة الى صراخ ولطم على الوجه وتعدّدت حالات الاغماء وهم يشاهدون زميلهم معلّقا بحبل وقد تقاطر الدم من رقبته (في إطار خدعة سينمائية) فكان مشهدا غير قابل للتشكيك بالمرة، وما إن انتهى حتى ظهر الممثل البارع «محمّد» حينها برزت بوضوح تجليات الصدمة العنيفة جدا التي أصابت زملاءه فمنهم من ارتمى أرضا ومنهم من ذهب لاحتضانه فكان مشهد حبّ مؤثر أدخل الارتباك على مسؤولي المعهد والذين لم يكونوا على علم بفحوى هذا العرض حسب تأكيد بعض الطلبة فيما فنّد ذلك «نبيل الجديدي» أستاذ بالمعهد مؤكدا ل«الشروق» وجاهة العروض القياسية مستدلا ب«فانڤوق» الذي قصّ أذنيه معتبرا أن للطالب الأحقية بابتكار الفكرة التي تناسبه لإنتاج عرض قياسي لأن «طبيعة العروض القياسية تقتضي ذلك وتعتمد على صدمة المتفرّج وإبهاره»! على حدّ تعبيره. للواقعية نصيب! التقت «الشروق» ب«بطل» هذا العرض القياسي «محمد محمّدي» وهو طالب سنة رابعة فنون تشكيلية والذي فسّر لنا سرّ الخدعة التي اعتمدها حيث اعتمد حمّالات داخلية مطاطية تحمل جسده في الفضاء وأن الحبل كان شكليا أما الفكرة التي أراد تبليغها من هذا العرض الذي عنونه ب«انتحار فنان» ترتكز على النظرة العمودية للفنان الذي يطمح الى تخليد إبداعه لذلك كانت آخر لوحاته هي جسده الذي ضحّى به في سبيل إبداعه بعد أن وصل الى نقطة معينة وحول الواقع من الخيال في ما توجّه به الى الطلبة قبل تمثيل عملية الانتحار. أكد «محمد» قائلا: «ما قلته هو واقع لأننا في هذا المعهد ينقصنا التأطير من طرف العديد من الأساتذة والذين وضعونا في نقطة تكبّل إبداعنا وتجعل منّا شهائد دون حرفية!».