من حقّكَ أن لا تعرف رأسَ الرجاء الصالح، فرأسُك بين كتفيك. من حقّكَ أن لا تَعْرف عين جالُوتْ، فعينُكَ في رأسك. من حقّكَ أن لا تعرف قهوتهم العالية، مادمتَ تشربُ قهوتك في بئر الطرَّاز. أنت لديك الكلمة التي لا تأكلُ ظلَّها. التي لا يَأسَفُ ما بعدَها على ما قبْلَها. التي لا يأسَفُ ما قبْلَها على ما بَعْدها، لأنّها تحدس أنْ لا بعْدَ ولا قبْلَ، بل ثقْبٌ صغيرٌ في سماء المعنى، تتقاطر منه موسيقى النهايات. من حقّكَ أن لا تعرف كيف تلعبُ بِكُرَتِهم، في ملاعبَ ليست لك، فلديكَ مكتبتُك، وكُجَّتُكَ الزرقاء. من حقّكَ أن لا تعرف كيف تلهو بأسلحتهم، فلديك في صُرَّةِ قلبِك، ما به تعبُر الحرب. تاركًا لهم أن يُدَرْدِرُوكَ مثلما دَرْدَرُوا بُطون الفسقيّات. تاركًا لهم أن يُلْغُوك من خارطة المدينة، مع الألعاب الشعبيّة والنقوش الجريئة وأشجار التوت البريّ، لتَعْلُوَ المداجنُ، وماكناتُ تقْلِيمِ النفوس من كِبَرِها. تاركًا لهم أن يَشْطُبوك من حفلات الرقص بالأقنعة، داعِينَ باعةَ الشعر والنثر والحرب والنصر، واضعين على رؤوسهم أكاليلَ البلاستيك. ليست هذه قائمةُ المدعوّين إلى العشاء الذي به تحلم، ولا هي السبّورةُ التي تحبّ أن ترى عليها اسمك. من حقّك أن لا تعرف كيف تنتصر عليهم. يكفيك أن تنتصر على نفسك. خُذْكَ إلى حَتْفِك إذا أردتَ أن تعيشَ. قِفْ بِلسانك عَلى حَافَةِ هَذا البَياض، علِّمهُ جَهْلاً لائقًا بأحلامكَ، إذا أردت أن تعرف. ليست المعرفة نَهْرًا وَلا أنتَ الخضر لا أنت بُوذا. اِكْسِرْها مثل الصّليب في هذه المسالك الوعرة، ليست المعرفةُ قُدْسًا ولا أنت المسيح لا أنت صلاح الدين. اٍفْضَحْها عنْدَ كل غارٍ مُعَنْكَب، ليست المعرفةُ حراء ولا أنت أحمد. أنْصِتْ إلى نَفسِك. أنت كُلّ شيءٍ لِأنّك كُلُّ لاَ شيء. لِهذا يَليق بِك أن تُنْصِت إلى نَفسِك. كُفَّ عن المَوتِ على طريقتهم والْعَبْ قَلِيلاً بلسانك. اِلْعَبْ بِأعضائك النّاطقة، عَلّمْها أنْ تحْفِر. تَنْقِيبٌ عن الآثَار القَادِمَة، تلك هي الكتابة. أَرْكِيُولُوجْيَا مَا سَيَكُون، تِلْك هِي المعرفة. أمّا اللسان الذي يتعثّر فإنّهُ يَتَقَدّمُ بِتُؤَدَة، منْ أَثَر إلى آخر، حَتّى نهَايَة المحنة، عنْد مَصَبّ الكَلمَات. كنْ عاليًا وانظر إليهم يَقُودُونَ على معرفتهم ويحاولون معك. كن عاليًا وانظر إليهم يُدَجْدِجُون بالمعرفة صائحين بها دِجْ دِجْ، ثمّ يعلّمونها أن تَكْرَكَ على البيض الفارغ. كن عاليًا عميقًا، ولا تأسف إلاّ على أنّ زمنك مثْخنٌ، بالذين كي يَسْعَدُوا، يَلْزَمُهُم شقاءُ الآخرين. تاركًا لهم أن يُقَرْطِسُوا الفول والحمّص والحلم والواقع في ورق السيلوفان. أن يلحسوا السياط لا حركةَ لهم إلاّ عند شهوة الدم، متكالبين فرادى وجماعات على كلّ ذي جناحين ووردة، على كلّ غريبٍ لا يبصق معهم على جمرة الروح، على كلّ مُفْرَدٍ لا يثغو مع القطيع. من حقّك أَنْ لاَ تَعْرِفَ، بل من واجبكَ أن لا تعرف هذه المعرفةَ التي تَدُورُ في الأيدي كالخُذْرُوفِ، لا تردُّ يدَ لامس. بينما خيطُها الناسل ( مِنْ سَاحَةِ المَدْرَسَة إِلَى سَاحَةِ السُوق) يرمشُ من بين الأصابعِ بِعَيْنَيْنِ مُطفَأتين. من حقّك أن لا تعرف. بل من حقّك أن تجهل فوق جهل الجاهلين. وإذا كان لا مناصَ من أن تعرف كلّ هذا فالمهمُّ أن لا تعرفَ