وفد من عائلات الشهداء يؤدّي مناسك الحج برعاية مؤسسة فداء    زغوان: دعم جديد للمنشآت الصحية وتجهيزات حديثة بفضل برنامج "الصحة عزيزة"    لطفي الرياحي: أسعار الأضاحي مشطّة والوزارة مطالبة بتحديد أسعار بيع اللحوم بالتفصيل    النقابة التونسية للفلاحين توضح أسباب اختلاف أسعار اللحوم بين السوق والتسعيرة الرسمية    رولان غاروس : ديوكوفيتش يفوز على موتيه ليواصل مشواره نحو رقم قياسي في البطولات الكبرى    وزير الشؤون الدينية: الحجيج التونسيون يؤدون مناسكهم على أحسن وجه    تحذير من ارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة خلال عطلة العيد    21 سنة سجنا لزعيمة شبكة تهريب الكوكايين عبر ميناء حلق الوادي    تأثير الكافيين على نوم التونسيين: أسباب اضطرابات النوم وكيفية الوقاية    كيف يتم طهى وتناول لحوم الأضاحى بطريقة صحية؟    أرقام قياسية في الكتلة النقدية المتداولة: الشكندالي يحذر من انفلات الاقتصاد نحو "الموازي"    قيس سعيد يدعو إلى التقليص من عدد المؤسسات التي استنزفت أموال المجموعة الوطنية    اليوم.. دخول فصل الصيف وفقًا للتقويم الفلاحي    طقس اليوم: سحب قليلة والحرارة تصل إلى 34 درجة    رئيس الجمهورية يتبادل التهاني مع نظيره الموريتاني اثر فوز مرشح موريتانيا برئاسة البنك الافريقي للتنمية    جلال القادري يقود الحزم الى الصعود الى الدرجة الممتازة السعودية    نقابة الفلاحين: تسعيرة 21.900 لبيع الأضاحي لم تُطبّق بسبب منطق السوق وآليات العرض والطلب    طيران الاحتلال يشن غارات على مطار صنعاء الدولي    البرلمان: 19 نائبا يقدمون مقترح قانون لتنقيح مرسوم المحاماة    منبر الجمعة ..لبيك اللهم لبيك (3) خلاصة أعمال الحج والعمرة    ملف الأسبوع ...العشر الأوائل من شهر ذي الحجة .. اغتنموا هذه الأَيَّامَ المباركة    خطبة الجمعة .. من معاني شهر ذي الحجة.. قصة إبراهيم وابنه    المهدية: صابة حبوب قياسيّة تبلغ 115 ألف قنطار: 10 جوان.. انطلاق موسم الحصاد    درجات الحرارة لهذه الليلة..    النادي الافريقي: جلسة عامة انتخابية يوم 21 جوان القادم    الاحتلال يوافق على خطة ويتكوف لوقف إطلاق النار في غزة    عاجل/ فاجعة شاحنة عاملات الفلاحة: آخر مستجدات الوضع الصحي للمصابين..    صفاقس: تفكيك مخيمات لمهاجرين أفارقة غير نظاميين في العامرة    نهاية تجربة فخر الدين بن يوسف مع المصري البورسعيدي    مركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي: اختتام الدورة الخامسة لحاضنة المؤسسات الناشئة في الصناعات الثقافية والإبداعية    قرار قضائي في حق الرئيس المدير العام السابق لشركة فسفاط قفصة    مدير مستشفى جربة يوضّح سبب عدم قبول هبة في شكل معدات طبية وأسرّة...التفاصيل    عين دراهم: الدورة السادسة لمهرجان "سينما الجبل "    الكشف عن طاقم حكام نهائي كأس تونس    الدورة 22 لندوة القصة المغاربية في قفصة: تيمة الحب في الأقصوصة المغاربية    ألبوم جديد لسفيان بن يوسف - عمار 808    ثنائي الترجي الرياضي محمد امين توغاي ويوسف بلايلي ضمن قائمة المنتخب الجزائري لوديتي رواندا والسويد    عاجل - : بيع عشوائي ومزايدات غير قانونية...معطيات تكشفها وزارة التجارة    النسخة السادسة من الحفل الموسيقي 'عين المحبة' غدا الجمعة بمدينة الثقافة    أطباق تونسية لا تكتمل لذّتها إلا بلحم الخروف: اكتشف النكهة الأصلية للمطبخ التونسي    تونس تتصدر العالم في مسابقة ميامي لزيت الزيتون وتحصد 75 ميدالية    عاجل/ إنفجار وإطلاق نار خلال توزيع المساعدات    عرض مسرحية "برضاك" في دار تونس بباريس يومي 30 و31 ماي    بعد قطيعة طويلة.. رفع العلم الأمريكي بدمشق بحضور وزير الخارجية السوري والمبعوث الأمريكي    بطولة رولان غاروس للتنس: ألكاراس وسابالينكا يتأهلان الى الدور الثالث    من هي الشابة العربية التي ظهرت برفقة كريم بنزيمة وخطفت الأضواء في مهرجان كان؟    عاجل/ البنك الدولي يوافق على تمويل لتونس.. وهذه قيمته    بداية من اليوم.. انطلاق بيع الأضاحي بالميزان بنقاط البيع المنظمة..#خبر_عاجل    جريمة مروعة: كهل ال60 عاما ينهي حياة زوجته طعنا بالسكين..!    الأهلي يتوج ببطولة مصر لكرة القدم للمرة الخامسة والاربعين في تاريخه    إيلون ماسك يؤكد خروجه من إدارة ترامب    4 دول أوروبية تدعو إلى قبول فلسطين عضوا كاملا بالأمم المتحدة    اللجنة الوطنية لليقظة ومكافحة الجراد تدعو الى ايلاء آفة الجراد الصحراوي الأهمية القصوى    تدعيم مستشفيات نابل بتجهيزات    60% من الجلطات في تونس سببها التدخين    غرّة جوان: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا    عيد الاضحى يوم السبت 7 جوان في هذه الدول    دعاء أول أيام ذي الحجة...أيام مباركة وفرصة للتقرب من الله    









خميسيات آدم فتحي: سباق الحواجز
نشر في الشروق يوم 03 - 03 - 2011

ليس من شكّ في أنّ الثورة التونسيّة تنتصر وتتقدّم بنجاح حتى الآن على الرغم من مخاوف الخائفين وتخويف المخوّفين. ولعلّ قرب عهدنا بالتعدّد والاختلاف في الرأي جهارًا والخروج إلى الشارع للتعبير، هو الذي جعل البعض يتحدّث عن أزمة في شأن حصيلة الأسابيع الماضية التي انتهت باستقالة الحكومة وما واكبها على الصعيدين الإعلاميّ والأمنيّ.
إنّها ثورة تحفر مجراها مثل نهر هادر في طريقٍ من الطبيعيّ أن تكون مزروعة بالكثير من المحاذير. والأزمات في هذا السياق عنصر ضروريّ من عناصر حركة التاريخ، ما لم تغلب عليها الجوانب السلبيّة المنتجة للثورات المضادّة. ولن يتحوّل هذا التجاذب إلى أزمة بالمعنى السلبيّ للكلمة، إلاّ إذا استغرق وقتًا أطول ممّا يُحتَمَل، أو خرج على قيم الحريّة والكرامة والإنصاف وغيرها من القيم الأساسيّة التي قامت هذه الثورة من أجل تجسيدها في نظام ديمقراطيّ حقيقيّ.
هذا التفاؤل لا يلغي ضرورة التوقّف قليلاً عند بعض الأسئلة التي تثيرها مواقف جميع الأطراف. ولنبدأ برحيل الوزير الأوّل المؤقّت في هذا التوقيت تحديدًا، تاركًا لنا سؤالاً مُعلّقًا على رأس وابل الأسئلة المُعلّقة: لماذا بقي أصلاً طيلة هذا الوقت؟ ولماذا، مرّةً أخرى، يظلّ الدم حبرًا لكتابة رحيل السياسيّين، ومرّةً أخرى، يظلّ النصّ الدمويّ منسوبًا إلى مؤلّف جماعيّ مبهم الهويّة يحمل عنوان أيدٍ خفيّة.
كان واضحًا منذ 14 جانفي أنّ على الثورة أن تقطع مع ما سبقها من أدوات وآليّات، وأنّ المجلس التأسيسيّ خيار العقل والأغلبيّة. وأنّ شعب هذه الثورة في حاجة إلى إجراءات ملموسة لا تقبل الإرجاء، وإلى رسائل رمزيّة عاجلة وواضحة. تؤكّد سقوط النظام السابق وانتصار الثورة.
فلماذا ظلّ الخطاب الغالب طيلة الأسابيع الماضية: لا أعلم! لا أحد يعرف حقيقة ما حدث! لا أحد أعطى التعليمات!! من الذي يعرف إذنْ؟ ومن الذي يُعطي التعليمات؟ أم أنّ علينا التسليم بأنّ ما يجري ليس سوى عمل من تحت أيديهم؟
أحدُ أهمّ مبرّرات التحاق بعض المناضلين بتلك الحكومة وفقًا لما تمّ إعلانُه: تجنيبُ البلاد الفراغ أثناء الفترة الانتقاليّة.
حسنًا. لا أحد يحبّ للبلاد أن تمرّ بفراغ غير مأمون العواقب. ولكن كيف يمكن لشعبنا أن يطمئنّ إلى هذا التبرير بينما الفراغ لم يُملأ حتى الآن إلاّ بفراغ؟ ثمّ وهو الأخطر: ما محلّ الوزراء من الإعراب الحكوميّ إذا ظلّوا آخر من يعلم وآخر من يحكم وإن لتصريف الأعمال، وإن بشكل مؤقّت؟!
كلّ هذا لا يبرّر طبعًا تبادل الاتّهامات وغيرها من الممارسات التي تذكّر بثقافة الاستبداد. فالاختلاف بين من يهمّهم نجاح هذه الثورة مطلوب للخروج من دائرة الانفراد بامتلاك السلطة والثروة والحقيقة. وقد التحق بالحكومة المؤقّتة السابقة عدد من المناضلين الذين يشهد لهم تاريخهم شأنهم في ذلك شأن الكثيرين الذين وقفوا في الجبهة المعارضة للحكومة. ومن الضروريّ أن يكون الاختلاف بينهم بعيدًا عن كلّ الشوائب.
كلّ هذا التأكيد على تقدّم الثورة من نجاح إلى آخر وبمساهمة الجميع، لا يمنع من الانتباه إلى أنّنا في سباق ضدّ الساعة، وضدّ الأعداء أيضًا. وهو سباق حواجز قد يكون على جميع من يهمّهم أمر نجاح الثورة عبورها في أسرع وقت ممكن.
لعلّ من بينها:
أوّلاً حاجز الذهنيّة.
لقد حكم الطاغية طيلة هذه السنوات لأنّه حوّل الاستبداد إلى ثقافة أو لنقل إلى ذهنيّة. فجعل البعض عدوّا للبعض الآخر، وحاول أن يجعل من كلّ منهم طاغية في مجاله. ولم يصنع الشعب ثورته إلاّ حين تمرّد على هذه الذهنيّة. وعلى بعض النخبة السياسيّة أن يقدّم رسائل أكثر وضوحًا ممّا نراه ونسمعه حتى الآن، يؤكّد القطع مع كلّ ما يمتّ إلى الذهنيّة البائدة التي من شأنها أن تشدّ إلى الخلف. فالقطع مع النظام السابق ليس قطعًا مع مؤسّساته أو رموزه فحسب، بل هو تحديدًا قطعٌ مع رأسماله الرمزيّ المتمثّل في ذهنيّته وخطابه.
ثانيًا حاجز اللغة.
لقد تكلّم الشعب لغة جديدة كي يثور على الطاغية. لغة استبطنت بشكل أو بآخر حصيلة القيم الثوريّة واستعاراتها الكبرى على امتداد التاريخ، لكنّها تجذّرت في واقعها التكنولوجيّ والاتّصاليّ والمعرفيّ الحديث، وأبدعت مفرداتها وأدواتها من هذا الزمن المنفتح على المستقبل، الذي يعرف جيّدًا أنّ الأداة الجديدة لا نجاعة لها إذا كانت مجرّد وعاء لمضمون قديم. وعلى النخبة السياسيّة بمختلف أجيالها أن تبدع وتستنبط أكثر، كي لا تبدو على مسافة من هذا الجيل الجديد رؤًى وأحلامًا ولغةً.
وثالثًا ولعلّه أوّل الحواجز المطلوب عبورها: حاجز الثقة.
لقد أثبت البحث الفكريّ والتجربة الميدانيّة منذ عقود إن لم نقل منذ قرون، أنّ مفهوم الثقة ليس مجرّد تهويم وجدانيّ خال من كلّ نجاعة إجرائيّة، بل هو شرط أساسيّ من شروط نجاح كلّ مشروع جماعيّ، وعلى رأسها المشاريع السياسيّة.
إلاّ أنّ الثقة الغائبة أو المغيّبة، والمطلوب حضورها في هذا السياق ليست توقيعًا على بياض وليست مصادرة على النوايا المُعلنة. إنّها استحقاق يتمّ بناؤه لبنةً فوق أخرى ويتمّ اختباره على محكّ المقارنة المستمرّة بين الشعار والممارسة.
ولعلّ من بين أسباب قيام هذا الغياب كحاجز لابدّ من تجاوزه، أنّ هذا الشعب لُدِغَ من جحر الثقة أكثر من مرّة على امتداد عقود. لذلك من حقّه اليوم أن يُطالب بجسور أكثر متانة وأكثر وضوحًا لبناء الثقة.
وهي جسور تتطلّب من النُّخب السياسيّة رسائل واضحة تؤكّد أنّها تثق في نفسها أوّلاً وأنّ بعضها يثق في بعض ثانيًا. إذ ليس من شأن تبادل التهم إلاّ أن يجعل صورة النخبة السياسيّة ككلّ تلتبس بصورة من لا ثقة له في نفسه. ممّا يعيد إلى الأذهان سؤال غوته: كيف يمكنك أن تكسب ثقة الآخرين إذا لم تكن لديك ثقة في نفسك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.