أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    هذا هو المهندس على بن حمود الذي كلّفه الرئيس بالموضوع البيئي بقابس    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    تونس تحتفي بالعيد الوطني للشجرة في ضوء جهود تشاركية لرفع نسبة الغطاء الغابي وحماية التنوع البيولوجي بالبلاد    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنديل الثاني: الدكتورة شهلا العجيلي (أستاذة نظرية الأدب، والأدب العربي الحديث في جامعة حلب) ل «الشروق»: اللّغة عندي قائمة على علاقة اللغة باللغة والجسد من غير تعريته
نشر في الشروق يوم 23 - 03 - 2010

نواصل على هذه الصفحات ملف الرواية مع الروائيين العرب:
الدكتورة شهلا العجيلي من مدينة الرقة في شغاف القلب شمال سوريا والتي تحملها في شغاف القلب، وإذا كانت مصر درة النيل ، فالرقة درة الفرات . تعتبر من أقدم مدن بلاد الشام، منها عبر هولاكو مع جيشه الغازي إلى المدن القريبة، وفيها أقام هارون الرشيد فترات طويلة، وماضيها يؤرخ للإنسان الحجري وهو يبني أول أسس حياته في الكهوف العميقة.سليلة أسرة سورية عريقة إجتماعياً وثقافياً وسياسياً. عمها الأديب عبد السلام العجيلي، أول طبيب في الرقة ومن أهم الروائيين العرب. عمل سفيراً ووزيراً في سوريا. والدها أول مهندس بالرقة وشيخ المهندسين فيها. تنتمي بثقافتها إلى الثقافة العربية الإسلامية ، كهوية مفتوحة ومتجددة وحية. وهذا يعني أن لديها ثوابت واضحة تنطلق منها في حياتها وفي أدائها الثقافي والإبداعي، وتقول إنها ساءلت هذه الثوابت طويلاً إلى أن أيقنت أنها لها ومن أجلها, أما عدا ذلك فخاضع للنقد والتقويم .
دكتوراه بدرجة الشرف في الأدب العربيّ الحديث- الدراسات الثقافيّة من جامعة حلب. عملت مسؤولة إعلامية في الإتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هي مدربة مدربين في إدارة الكوارث . وعملت في العديد من مخيمات اللجوء الإنساني. أنجزت أطروحتين أكاديميّتين في نظريّة الرواية، والنقد الثقافيّ. كما أصدرت مجموعة قصصيّة بعنوان «المشربيّة» ورواية «عين الهرّ» التي فازت بأعلى جائزة تمنحها المملكة الأردنية سنة 2009 .»جائزة الدولة الأردنية في الآداب شاركت في تأليف ثلاثة كتب أكاديميّة في الفكر والنقد، «السرد وإشكالّية الهويّة»، و«التجديد في العلوم العربيّة والإسلاميّة» و«النصّ الروائيّ والمثاقفة الحضاريّة».
لنتحدث عن المحيط الثقافي المتميز حيث نشأت؟
كانت نشأة ثقافية في وسط مثقف وحضاري . والدتي والذي توفيت أخيراً رحمها الله. كانت معلمي الأول اهتمت بتلقيني الأدب واللغة والشعر، واهتم والدي بثقافتي الدينية، وبيتنا كان يتردد عليه كبار مثقفي العصر أمثال (نزار قباني، أبو سلمى، بدوي الجبل) وذلك لوجود عمي الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي معنا.‏
في المرحلة الابتدائية توجهت نحو نشاطات طلائع البعث وكنت رائدة على مستوى القطر في الفصاحة والخطابة لثلاثة أعوام متتالية ، وبعد ذلك دخلت عالم الخيل والفروسية وحصلت على بطولات على مستوى الجمهورية ومازلت أركب الخيل حتى اليوم.‏
دراستي الجامعية كانت في مجال الأدب العربي وكنت كل سنة أحصل على جائزة الباسل للتفوق الدراسي ، وتابعت دراساتي العليا معيدة في جامعة حلب .وحصلت على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف باختصاص الأدب العربي الحديث (الدراسات الثقافية)، وكنت أول شابة من الرقة تنال هذه الدرجة ،كما كنت أول فارسة رقية ،وأول رائدة على مستوى القطر في الفصاحة والخطابة .
ولدت في الرقة وتعيشين في حلب وتتنقلين إلى عمان بحكم إرتباطك مع الشاعر الأردني مصلح النجار فأي تفاعل بين التجربتين الثقافيتين؟
لا شكّ في أنّ هذا التفاعل يغني وجودي باستمرار، على الرغم من عدم وجود فروق عميقة بين الثقافتين، سيّما أنّنا في سورية نشأنا على مفهوم الثقافة القوميّة، إلا أنّ تنقلي بين عمّان وحلب يجعلني دائماً على مسافة من الأمكنة، وهذه المسافة ضروريّة لتعميق الشعور، وشحذ الذاكرة، كما أنّ اطّلاعي على التجربة الأكاديميّة الأردنيّة عن طريق الدكتور مصلح النجار يصيّرني أشبه بالقناة الأكاديميّة بين جامعة حلب والجامعات الأردنيّة عموماً. أمّا الرقّة مدينتي، فحديثها شجون، إذ حينما أعاود قراءة ما كتبت أكتشف أنّها حاضرة في التفاصيل كلّها، وحين يغالبني الشوق ألجأ إلى اللغة، بلغتي آتي بكلّ بعيد، وألغي المسافات، نعم، بلغتي تصير الغربة وطنا.
من يقرأ كتاباتك، يظن انك في سن متقدمة عركتها التنقّلات، والأحداث حتّى حصّلت معارفها المتنوّعة، لنفاجأ بعد ذلك بأّنك في الثلاثين من العمر، كيف تمكّنت من امتلاك كل هذا الحراكّ في الثقافة العربيّة في هذه الفترة القصيرة؟
هو الدأب على الكتابة لاشكّ، بدأت في الكتابة في القدس العربيّ، ثمّ الرأي الأردنيّة، ثمّ أخبار الأدب المصريّة، فالجزيرة السعوديّة، فالثورة السوريّة، هذا عدا عن الكتابة في المجلاّت والدوريّات، وهي في معظمها متخصّصة ومحكّمة. المؤتمرات الأكاديميّة حقّقت لي انتشاراً واسعاً ونخبويّاً، وكذلك الكتب ولاسيّما التأليف المشترك، وقبل ذلك كلّه كنت حاضرة في عالم رياضة الفروسيّة، ومسؤولة إعلاميّة في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ثمّ جاء زواجي من د. مصلح النجار، ليضعني في صلب الثقافة الأردنيّة. أنا لم أعتمد على مكان محدّد في الكتابة، أو على أشخاص معيّنين، اعتمدت في الانتشار على نصّي فقط، حتّى إنّ رؤساء التحرير الذين كتبت معهم قبل أن ألتقيهم، فوجئوا بسنّي كما فوجئت أنت. أمّا وقع الاسم فلعلّه يعود إلى العائلة التي مثّلها د. عبد السلام العجيلي بوصفه رائداً من روّاد الرواية العربيّة منذ أربعينيّات القرن العشرين.
هل تزعجك المقارنة بينك وبين عمك الأديب عبد السلام العجيلي؟
في الواقع شهدت بداياتي بعض المقارنات من قبل المتلقّين مع تجربة عمي الدكتور عبد السلام العجيلي، إلا أنني خرجت من مثل هذه المقارنات بسلاسة وسرعة، وذلك بسبب نصّي المغاير أو المختلف عن نصّه الأدبي.‏
من طالعي السعيد ان يكون لي إرث ثقافي عائلي لأنني وجدت أن المثقفين في العالم يبحثون من غير وعي عن تاريخ ، هذا التاريخ الذي يبحثون عنه ولدوا في أحضانه و لدينا مثل شعبي يقول « الذي ليس له كبير ليشتري له كبير » و نحن عموماً في المنطقة الشرقية و ليس فقط في الرقة نلتف بعباءة الدكتور عبد السلام العجيلي و تبقى لي حصة الأسد في هذه العباءة ، وهي مسؤولية و أرجو أن أكون على قدرها .‏
ومن جهته الشخصية فهو لم يساعدني بمعنى إرشادي في متاهات الكتابة، أو تقديمي للجمهور، وإنمّا منحني رضاه عن كتاباتي، على طريقته، إذ اعتبرني جديرة بالتاريخ الثقافي الذي أنتمي إليه، وإلاّ لكان طلب إليّ التوقّف عن الكتابة. لا شكّ في أنّ اسم عبد السلام العجيلي يمنحني مشروعيّة ثقافيّة وأدبيّة، وفي الوقت ذاته يحمّلني مسؤوليّة ليست بالقليلة!‏
نشترك عمّي وأنا، في ثيمات ثقافيّة في كتابة كلٍّ منا، وتحديداً العلاقة مع التراث في الكتابة، والعلاقة مع المكان مدينة (الرقة) التي سكنت كلينا، إلا أنها علامات تنهض من رؤى مُختلفة، ويمكنني القول إنّ رؤيتي هي رؤية الأنثى.‏
ما رأيك بمصطلح الكتابة النسوية؟‏
أنا لست نسوية، وإنما أؤمن بالخصوصيّة الثقافية النسوية. وأفترض أنّ علينا إعادة مساءلة المسلمات قبل التفريق بين كتابة نسوية وأخرى (ذكورية). أنا شخصياً أؤمن بالاختلاف ولا أؤمن بالتضاد، ومن هنا أعتقد أنه، وبسبب اختلاف التجارب البيولوجية والشروط الاجتماعية، فإن الأحكام على الأشياء تأتي مختلفة، دون أن يعني هذا أنّ الأحكام الذكورية هي بالضرورة صحيحة، وإنما هي متأتية من منطق مختلف، وليس من منطق مضاد.
جل الأعمال الروائية العربية تركز على المرأة وجسد المرأة، لماذا برأيك المرأة عنصر أساسي في أغلب الأعمال الأدبية؟
لأنّ المرأة موجودة في الحياة، فهي لاشكّ ستكون موجودة في الرواية، التي تشكّل بنية استعاريّة للحياة. لكنّ مشكلة الإبداع العربيّ تكمن في أنّه يجعل من المرأة موضوعاً رئيساً لأنّها ظلّت لمرحلة طويلة جزءاً مجهولاً أو مهمّشاً في الثقافة، فالكشف عن هذا المجهول يشكّل بحدّ ذاته عامل جذب للمتلقّي. كما أنّ جسد المرأة هو واحد من أهمّ المحظورات أو (التابوهات) في ثقافتنا، لذلك تجد أنّ من يريد تحقيق شهرة، يسعى إلى هتك ستر هذا الجسد، وكثيراً ما يكون ذلك بفجاجة، تلك شطحات خلّبيّة، أو فقاعات، إذ لم يعد المتلقّي العربيّ بدائيّاً في تناوله للرواية، بحيث تفتنه مثل تلك المحاولات، ومع ذلك تجد اليوم نصوصاً كتبها رجال أو كتبتها نساء، تتعامل مع الجسد بفنيّة متفوّقة، بالنسبة لي، ليست المرأة قضيّتي الرئيسة، إنّ قضيّتي هي العالم بأغراضه المتعدّدة من خير وشرّ، وحبّ وكره، وظلم وعدل، وفساد واستقامة... ويمكن لي أن أقدّم ذلك من وجهة نظر رجل، كما هو من وجهة نظر امرأة، أمّا الجسد فليس واحداً، فهناك جسد منتهك، وهناك جسد محافظ، وآخر مشوّه، ورابع مخاتل، وهكذا... على الأدب أن يقدّمها كلّها، ولكن في سياقاتها الثقافيّة- الفنيّة .
هل محاولة بعض الكتابات الجديدة كسر التابوهات المقدسة، هي وسيلة لجذب القارئ؟‏
أسهل شيء في الكتابة هو كسر التابو، في حين أنّ الحِرَفيّة تكمن في القدرة على تقديم معرفة جديدة، في القدرة على إدهاش القارئ بأشياء غير عادية، أو حتى في القدرة على إعادة اكتشاف الأشياء العادية. أرى أنّ كسر التابو مُباشر جداً،ويجب علينا العمل على تقديم جماليات من نماذج إنسانية افتقدها القارئ في حياته. حتى أنّ المؤسسات الرسمية/ الرقابية انتبهت إلى ملل القارئ من هذه المباشرة، وعزوفه عنها، فقارئنا اليوم، وبملاحظة بسيطة، نجده منجذباً نحو الصوفيّات والخطاب العرفاني، (انظري إلى شعبية كاتب من طراز باولو كويلهو.. حتى أنّ غالبية قرائه قد تجاوزوا «الخيميائي» نحو قراءات أكثر غموضاً...)، وهو ما يرتبط مع ما نعيشه في حياتنا اليومية، حيث يتجه الكثيرون نحو العلاج البديل، والطاقة، وحتى العودة إلى الطبيعة.
هل تعتقدين بوجود روائيات عربيات مميزات، وان كان كذلك فلمن تقرئين منهن؟
لا شك في أن هناك روائيات عربيات متميزات ، هناك أسماء كتبت وما تزال تكتب، وقد كوّنت جزءاً من ذاكرتي الروائيّة من مثل غادة السمّان، وكوليت خوري، ولطيفة الزيّات، وأحلام مستغانمي، ومليكة مقدّم، ورجاء عالم، ورضوى عاشور، وعلويّة صبح... وهناك أسماء من جيلي أو الجيل الذي قبلي، أقرأ لها، قد تعجبني وقد أتحفّظ عليها، إنّ عملي أستاذة للأدب يضطرّني إلى أن أقرأ من الصفر إلى المائة، لكنّ الذي لا يعجبني في كتابة المرأة هو فكرة استنساخ الضحيّة، لأنّها غير صادقة، فالنساء يفشلن لكنّهنّ ينجحن أيضاً، وهناك نساء في الهامش، لكنّ ثمّة نساء في المتن أيضاً. كما أنّني لا أميل إلى لغة التنديد والشعارات، ولست مع التخلّص من الإديولوجيا عبر طرح إديولوجيا مضادّة، كما أنّني أنفر من تسويق النصّ عبر فضح الجسد.
في عملك الروائي الأول«عين الهر» تميلين الى الخصوصية النسوية الثقافية. هل حاولت محاكاة نوع أدبي مختلف عما طرح من قبل؟‏
أنا دائماً أبحث عن المختلف ولايمكن لرواية «عين الهر» أن تصنف تحت أي نمط مطروق وموجود كما كتب الناقد الأستاذ الدكتور «فؤاد مرعي» إذ عنون دراسته عن «عين الهر» ثلاث نساء في نص مختلف .لم أعتمد على المنطق النسوي في الكتابة. وإنما كتبت عن حياة النساء وعن التصوف ، وعن العالم برؤية إمرأة، لم أعتمد على ثيمات الكتابة النسوية الدارجة. فالقارئ لرواية «عين الهر» يلاحظ البعد عن شعرية اللغة، اللغة عندي قائمة على علاقة اللغة باللغة، الجسد من غير تعريته، مقاربة السياسي والأخلاقي والثقافي من دون أن يستعملني ذلك السياسي والأخلاقي والثقافي.
تلتحف رواية «عين الهر» بجو من التصوف التي حاولت أن تقدمينه بطريقة مغايرة للمألوف؟ كيف يكون التمايز والمغاير في طرح الموضوع؟‏
أنا من الذين يشتغلون في الفكر وهذا الشغل في الفكر والدراسة الأكاديمية للتراث العربي الاسلامي فتح لي آفاقاً واسعة باتجاه مفهوم الهوية. أنا أْعتقد بالهوية المتوالدة ولا أؤمن بالهويات الجامدة، والهوية العربية الاسلامية ليست هوية جامدة في حقيقتها، هذا ماأسعى للكشف عنه دائماً، ولذلك اشتغلت على التصوف ليس بوصفه توجهاً فكرياً وإنما بوصفه أحد المكونات الثقافية للناس البسطاء الذين يمثلون عناصر الثقافة غير العالمة .‏وتوظيفي للعناصر الثقافية والتراثية جاء بطريقة عميقة وبسيطة، وهي طريقة واعية، لأن الكتابة عندي لحظة وعي، لا لحظة تغييب.
اللغة في رواية «عين الهر» تعتمد على مخزون من اللغة الموروثة وكما يقول بارت: «اللغة هي التي يجب أن تتكلم وليس المؤلف» أي أن المؤلف «فاعلاً» وليس «شخصاً»؟
اللغة هي (نحن ) بوصفنا جماعة اجتماعية وهي (أنا) في الفن، إذا محصت في «عين الهر» ستجد أن هناك مستويات متعددة من اللغة، صوت (أيوبة) القادمة من بيئة شعبية مسلمة، صوت (أودتيت) من بيئة شعبية مسيحية، صوت الرواية القادمة من بيئة مثقفة برجوازية ، صوت تاجر المجوهرات، صوت الشيخ الطبيب.‏
أنت تكتبين الرواية والقصّة، وهي أنواع أدبيّة حديثة، لكنّ لغتك، سواء أكانت نقديّة أم إبداعيّة، كثيراً ما تُعرّج على التراث، فكيف تمكّنت من تحقيق هذه المعادلة بين القديم والجديد؟
لعلّ كثيرين يرون أنّ الشغل في الأدب الحديث سهل، ومرحليّ، وربّما قادت إلى هذه الرؤية ضآلة بعض النتاجات، بسبب استسهال الكتابة في موضوعات الأدب الحديث، أو استسهال كتابة القصّة والرواية والمقالة، لكن من الواضح أنّ الثقافة عمليّة تراكميّة تاريخيّة، وإنّ الذي لا يعرف تاريخ أدب لغة ما، لن يمتلك الإحساس بحاضر اللغة، وبحاضر الثقافة التي تنتمي إليها هذه اللغة. ثمّة شيء في اللغة يسمّى التطوّر الدلاليّ، هذه الخاصيّة في اللغة هي إشارة ثقافيّة مهمّة تتعلّق بالتغيّرات التي تطرأ على الفكر، وبالتحوّلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة المرافقة، هي عمليّة معقّدة فعلاً، لكنّ الذي يعرف أسرارها، يستطيع امتلاك روح الثقافة، وسيمتلك نصّه حينئذ، مهما كان حداثيّاً، هويّةً ثقافيّة تمنحه شعريّة مخصوصة. فالجديد لا يمكن أن ينقطع عن القديم إلاّ إذا كان مسخاً، وأنا لا تجذبني ثقافة المسوخ لأنّها أثبتت تهافتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.