لأنهج المدينة العتيقة تاريخ وملامح اضمحل اغلبها وصمد البعض منها رغم مرور السنوات والعقود الطويلة والقرون. وقد تحدث الباحث محمود زبيس عن هذه الملامح وأفاض في الحديث عن كل ما يتعلق بتاريخ عدد كبير من أنهج المدينة العتيقة والحي الاوروبي خارج الربضين ورصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية المعمارية التي طرأت على ملامح انهج مدينة تونس وعاصرها الباحث ووقف على أهم التحولات في الشكل والمضمون لأهم المنشآت والمؤسسات والدور الفخمة التي كانت علامة من علامات تميز هذه المدينة العريقة من خلال دراسته الشهيرة والمعنونة ب «من سيدي محرز الى المقام الشاذلي او في كل خطوة ذكرى بين المدينة والربضين» التي نشرتها مجلة معالم ومواقع تباعا وعلى امتداد سنوات طويلة والتي سنعتمدها كمصدر أساسي للحديث عن الملامح القديمة لأشهر انهج المدينة العتيقة. وسنواصل من خلال هذا العدد الجديد من ركن أنهج المدينة العتيقة: تاريخ وحضارة الحديث عن هذه الملامح القديمة لأنهج مدينة تونس. دريبة ابن عياد وهي ليست مثل الدريبة التقليدية بمدخل المنازل الفخمة والمسقفة وبدكاكينها وأبوابها الفرعية المؤدية الى الدار السفلية والعلوية او الى المخزن الذي له باب اصلي حذو باب الدار الخارجي أو الى بيت الضيوف، فدريبة ابن عياد لها مدخل كبير بالقوس مخصص للعربات والكروسة وبجانبه باب فرعي للراجلين يفضيان من الخارج الى شارع الباب الجديد ومن الداخل الى فضاء غير مسقف تحيط به يمينا ويسارا أبواب وقبالته شرفة أو «بالكون» عريض تمتد منها الى الخارج شبابيك من الحديد «بالخراج» لتمكين الشخص المطل على الأسفل رؤية ما هو تحته وذلك دون ان يتعرض الى السقوط. والشرافة متصلة بالدار العلوية لقصر ابن عياد الذي كان طابقاه السفلي والعلوي يمتدان الى نهج المكتب المشار اليه سابقا والكنيسة القديمة (دار الجنرال رشيد) وكان يقطن بهذه الدار الوزير صلاح الدين البكوش الذي خلف الوزير الاول الراحل محمد شنيق سنة 1952 عند اندلاع المعركة الحاسمة للحصول على الاستقلال التام. ومن مجموعة المساكن الملاصقة لهذا القصر دار اصغر منه كانت مقرا لمدرسة الفنون الجميلة قبل تحويلها الى مكان الفسقية خارج باب سيدي عبد السلام وراء سوق الخضر الحالي ومستودع البلدية وكان مدير هذه المدرسة الفنان البارع الكسندر فيشي وقد تخرج منها العديد من الفنانين التشكيليين حيث تزامنت مع احداث «مدرسة تونس» التي تضم أيضا ثلة من زملائهم الاجانب قد شاعت أسماؤهم جميعا في الكثير من الدوائر العلمية والفنية الوطنية وكذلك الاجنبية. هذا وقد جعلت بلدية الحاضرة من هذه الدار مقر أول مصلحة تهتم بصيانة مدينة تونس العتيقة وذلك في أواخر سنة 1965. حيث كانت أول نواة قبل احداث جمعية صيانة مدينة تونس العريقة (التي نسج على منوالها العديد من البلديات الاخرى بكامل تراب الجمهورية) وكان على رأس هذه المصلحة السيد م زبيس بعد أن تم إلحاقه من المعهد القومي للآثار والفنون الى بلدية تونس الى آخر سنة 1971، أما بقصر ابن عياد فالشرافة والمباني العلوية التابعة له فتحتها صاباط مستطيل يصل الى الباب الخلفي للدريبة وفيه دكاكين لحرفيين مع مسجد بعدد 4. إعداد: ناجية المالكي المصدر: مجلة معالم ومواقع عدد 16 مارس 2005