لأنهج المدينة العتيقة تاريخ وملاح اضمحل أغلبها وصمد البعض منها رغم مرور السنوات والعقود الطويلة والقرون. وقد تحدث الباحث محمود زبيس عن هذه الملامح وأفاض في الحديث عن كل ما يتعلق بتاريخ عدد كبير من أنهج المدينة العتيقة والحي الاوروبي الجديد خارج الربضين من خلال دراسته الشهيرة والمعنونة ب«من سيدي محرز الى المقام الشاذلي او في كل خطوة ذكرى بين المدينة والربضين» التي نشرتها مجلة معالم ومواقع تباعا وعلى امتداد سنوات طويلة والتي سنعتمدها كمصدر أساسي للحديث عن الملامح القديمة لأشهر أنهج المدينة العتيقة. وسنواصل من خلال هذا العدد الجديد من ركن أنهج المدينة العتيقة : تاريخ وحضارة الحديث عن هذه الملامح القديمة لأنهج مدينة تونس. بعد الخروج من نهج ابن عبد ا& نجد نهج سيدي الحجار فسوق الصباغين وندخل اليه من بابين وممرين (السوق الصغير والسوق الكبير) وفي كل منهما يمينا وشمالا دكاكين الحرفيين في صباغة الصوف والقطن والحرير والخيوط والاقمشة والملابس المصبوغة عن طريق وضعها تحت أشعة الشمس ومعرضة للهواء والرياح الخفيفة فوق أسطح المنازل والدكاكين. وبالتقاء الممرين بالداخل نجد بئر وناعورة و«قواديس» فمعبر يؤدي الى نهج سيدي زهمول يقفل بابه ليلا مع البابين الرئيسيين السابق ذكرهما. وقد تحول اليوم اختصاص الكثير من الدكاكين الى صناعات أخرى حيث لم يبق من الحرفيين الاصليين الا القليل مع آخرين تولوا صباغة الجلود التي كانت من اختصاص حرفيي سوق الدباغين وقد أجبرت السلطات الحرفيين على تسخين المياه اللازمة للصباغة بالغاز الطبيعي عوضا عن الحطب او فواضل الخشب للحفاظ على سلامة المحيط. وفي مواصلة للطريق نجد أنفسنا امام عمارة شكلها ايطالي وبابها ضخم ومدخلها عالي السقف وساحته غير مغطاة تؤدي الى عدد من المساكن الموجودة بالطابق السفلي فمدرج (و «دربوز» من الحديد) يؤدي الى المساكن المتلاصقة بالطابق العلوي. ثم نصل الى نهج البنا المؤدي الى نهج سيدي زهمول حيث توجد «دار العسكري» وهي محل كبير ربما صادرته آنذاك السلطات العسكرية فجعلت منه ناديا يتجمع فيه قدماء الجنود والمحاربين التونسيين حيث كانت تعد لهم مدة الحماية مأدبة كسكسي يوم الجمعة تقع الدعوة اليها عن طريق الاذاعة اسبوعيا في الحصة الخاصة بالجيش وقدماء المحاربين. كما كان الشأن ايضا بالنسبة الى دار العسكري الاخرى التي لقبوها بنادي الصداقة الافريقية «cercle des amitiés africaines» بباب سيدي عبد السلام والتي كانت وراء صاحب الطابع داخل السور الشمالي.ومع التقاء نهج سيدي البنا بنهج سيدي زهمول نجد الدار بل القصر الذي كان على ملك حسونة بن عياد ومساحته 3750م.م وهو يجاور مباني سوق الصباغين المذكور سابقا وندخل اليه عبر حديقة خاصة. ويتميز بواجهته الضخمة وباب يفضي الى دربية مؤدية الىى مدارج من الرخام ومنها الطابق العلوي بما فيه من غرف ومنافع سكنية. ومن الدربية الى الطابق السفلي نجد صحن (فناء شاسع)تطل عليه غرف أخرى وقبوها ومقصوراتها زيادة على الغرفة الكبيرة ذات المعمار الايطالي الشكل والمخصصة للاستقبالات والولائم. وقد احتضن هذا القصر فيما بعد أول مؤسسة بنكية في البلاد الى ان صار شبه وكالة معدة لسكن العديد من العائلات التونسية. اعداد : ناجية المالكي المصدر: مجلة معالم ومواقع عدد 13 جوان 2003