بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي سبع سنوات مرت على احتلال العراق، لكنها لم تكن سنوات مرّت بتعاقب بليد، بل هي سنوات من الدم، كأن ما مرّ بالعراق لم يكفه حروب على حصار، وهذا الحصار كان أمرّ من الحرب، إذ شكّل عملية إبادة جماعية تم التخطيط لها ليبيع الناس كل ما يملكون ويرموا بأنفسهم وأسرهم في سيارات نقل الركاب التي تربط بغداد بعمّان. ذهبوا بالآلاف بحثا عن بلدان اللجوء لا حبا باللجوء، ولكن لأنه الحل الوحيد لحماية ما تبقى حيا ولم يطوه الردى، حيث لا دواء ولا مستشفيات لائقة، كل شيء خرّب وتصحّر. لم يبق إلا الذين لا حيلة لهم ولا وسيلة يغادرون بهما الى المجهول. تلك السنوات الصعبة لم تتوج بحلّ رغم أن الحلم لم يغادر القلوب بأن الحصار سينتهي والذين هاجروا سيعودون، ومعهم تعود تلك السنوات البيضاء حيث كان العراقيون يمارسون حبهم للحياة، حبهم للطعام والشراب.. الدولمة والمسكوف والباجة والقوزي على تحن والكباب وباقلاء الحلة والكاهي والقيمر والدجاج المشوي مع خبز التنور. لعلهم كانوا من أكثر الشعوب العربية حبا للطعام ولذا تكورت بطونهم وتحملت أجسادهم بالشحم واللحم. تلك كانت أيام الخير، والعراق من عاصمته الى أصغر قراه في الشمال والجنوب كان مضافة لكل الآتين من الأشقاء ومن لا يجد عملا في وطنه لسبب أو آخر يجده في العراق، حتى تأشيرة السفر لم تكن مطلوبة من العرب، فالعراق العربي بلدهم. كم التقيت بأشقاء من مغرب الوطن العربي ومشرقه وهم ممتلؤون بأجمل الذكريات عن أيامهم العراقية، وكانت فلسطين في قلوب العراقيين عنوانا ونشيدا، ولذا لم يكن غريبا أن يهتف رئيسهم المطاح به أمريكيا بحياة فلسطين وحبل المشنقة يلتف حول عنقه. لكن بيوت الفلسطينيين في حي البلديات وبعد احتلال العراق قصفت بالمدافع، وتكالب عليها الأوباش ليحتلوها ويرموا من بقي حيا من أصحابها على الحدود في مخيمات لا انسانية فيها، كانوا في الصحراء وحيدين، حائرين، يبحثون عن لجوء من اللجوء، فلم يجدوا غير بعض بلدان أمريكا اللاتينية. حكام العراق الذين جاء بهم المحتلون غيبوا دور العراق العربي، جعلوه كيانا أو شبه كيان، لا لون له، تشكيلا هلاميا، واستلبوا هوية أبنائه الأقحاح في عدد من مدن الوسط والجنوب وشرف انتمائهم القومي وبدّلوه بانتماء طائفي. ونكاية بهويته وانتمائه وضعوا رأسا «للجمهورية كرديا» لا يعنيه في شيء انتماء العراق العربي، كما أعطيت للأكراد مهمة تسيير سياسة البلد الخارجية ولذا لم نستغرب سفر رئيس الجمهورية هذا الى قم لمعانقة خامنئي بدلا من الذهاب الى القمة العربية، لأن طلب شفاعة خامنئي وأحمدي نجاد هو الذي يعيده الى هذا المنصب لفترة ثانية. سبعة أعوام هي خراب في خراب ولذا لم أبالغ شخصيا في شهادتي بندوة الرواية في قابس المنعقدة أخيرا عندما تحدثت عن الرواية والايديولوجيا ووصفت الايديولوجيا التي تسيّر عالمنا الآن هي بايديولوجيا الخراب التي هي وليدة الخيال المريض لمفكري المحافظين الجدد حيث لا وجود لفوضى تكون خلاقة، أبدا، أبدا، فالفوضى لا عنوان لها إلا الدم والخراب المشين. انظروا العراق، نتاج الغزو، ماذا تجدون؟ طوائف تتناحر، تتربص ببعضها، سرقات بالمليارات، بلد شبه متصحّر من كل شيء، صار الناس يشكون من عدم وجود حتى مياه شرب وهم في بلاد النهرين، ومياه شط العرب صارت ملحا وأصاب العطش أهل البصرة، بلد الجاحظ والسياب، بلد النخيل الذي قطعت رؤوسها وبعد أن كانت البصرة تضم أكبر غابة نخيل في العالم أكلت الديدان قلوب نخيلها الفارع النادر. تقاتلوا على انتخابات لا تؤدي الى سيادة وصار مصير العراق يتقرر خارجه،لأن الذين يحكمونه ولاءهم ليس له بل لخارجه. انفجارات مريعة، لم تعد تميز بين هذا أو ذاك كأنها لا غابة لها إلا إلحاق مزيد من الأذى بالناس، عمارات كاملة تفخخ وتفجّر، والضحايا بسطاء العراقيين وكأنهم يريدون من الناس أن يغادروا، يهيموا في الصحراء، ليأتوا ببدائل يسكنون مدن العراق. مع هذا كله، فالعراق كان ومازال أبقى من أعدائه.