قسّمت الحرب الباردة بلاده وهو طفل في العاشرة وأثّر هذا الانقسام عليه الى حد أنه خصص وقته كله للعمل من أجل تفادي اندلاع حرب ثانية في بلاده.. وجد في الديبلوماسية مجالا خصبا للعمل من أجل بلاده مدركا في الأثناء ان العالم منقسم هو الآخر وأن الحروب تكاد تستنزف موارده... الى الآخر.. إنه بان كي مون الأمين العام الثامن للامم المتحدة وأول ديبلوماسي كوري يصل الى قمة هرم موظفي المنظمة الدولية في وقت يقول فيه الخبراء إنه يحقّ لكوريا (الجنوبية) وباعتماد المقاييس الحالية الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.. عالم من الحركة ولد بان كي مون في 13 جوان 1944 وحصل على الإجازة في العلاقات الدولية عام 1970 والتحق مباشرة بوزارة الخارجية الكورية التي «القت به» على الفور في منظمة الأممالمتحدة التي عرفها جيّدا بمنابرها الرسمية وبكواليسها.. وحتى بدأ مهمته الجديدة كأمين عام لها (1 جانفي 2007) كان يحمل 37 عاما من الخبرة.. وحين يقال ان مواليد برج الجوزاء يحملون «وجهين» يعارض بان كي مون ذلك على الأرجح ربما لأن الوجه الوحيد الذي عرفه به العالم هو وجه شاب (ثم كهل) كوري متحمس من أجل قضايا السلم في العالم... وكان هذا الحماس طبيعيا الى حدّ ما بما أن بان كي مون نشأ أصلا في ظروف متفجرة وقضى مراهقته وشبابه تحت تهديد حرب كورية جديدة.. وحين وصل إلى الأممالمتحدة كان الملف النووي الكوري الشمالي في ذروة التصعيد.. وبرغم التهدئة الحالية إلا أن كوريا بشطريها (بما فيهما شطر بان كي مون أي الجنوب) لم تخرج من دائرة الخطر.. ولهذه الأسباب انخرط بان كي مون في العمل الديبلوماسي الذي يبدو أحيانا وكأنه قدره الخاص أو حتى قدر الكوريين الذين يشغلون العالم كله ويؤثرون عليه بطرق مختلفة وخصوصا بالصناعات المدنية وبالصواريخ. تعود علاقة بان كي مون بالأممالمتحدة إلى عام 1975 حيث كان يعمل وقتها في شعبة الأممالمتحدة بوزارة الخارجية الكورية ومنها انتقل إلى نيويورك التي غادرها عام 1999 إلى فيينا (كسفير) لكن لرئاسة اللجنة التحضيرية لمنظمة معاهدة الخطر الشامل للتجارب النووية. وعمل سنتي 2001 و2002 رئيس ديوان خلال فترة رئاسة بلاده للجمعية العامة للأمم المتحدة وقام بتيسير الاعتماد الفوري للقرار الأول للدورة الذي أدان هجمات 11 سبتمبر. وقام بان كي مون بعد ذلك بدور هام من أجل تهدئة الوضع بين الكوريتين وتخصص في هذه النقطة بالذات بين 2002 و2005 أي إلى أن بدأت المفاوضات السداسية الدولية حول الملف النووي الكوري الشمالي.. عودة.. السكون لكن ل بان كي مون وجه آخر يتميز بالكثير من «السكون» وخلافا للحركة المفرطة في القضية الكورية كان الأمين العام للأمم المتحدة واقفا على الربوة إلى حدّ ما في ما يخص فلسطين.. ويعرف بان كي مون أن فترة زمنية قصيرة فصلت بين تقسيم فلسطين وتقسيم كوريا ولعلّه اطّلع على التقارير التي قارنت بين مواقف مختلف الدول (بما فيها الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي والبلدان العربية) بشأن تقسيم فلسطين ثم تقسيم كوريا.. وقد زار بان كي مون غزة (وفلسطين عموما) مرتين الأولى عام 2006 والثانية في مارس الماضي وقام بما يجب على أي أمين عام للأمم المتحدة أن يقوم به من دون أي حركة إضافية. ولم يكن على بان كي مون أن يفعل لفلسطين أكثر مما فعله العرب ولكن الرجل يؤكد أنه فعل الكثير لبلاده.. ويقول إنه يتمنى أن تتم إعادة توحيد كوريا خلال أمانته (للأمم المتحدة) التي تستمر حتى 2016.. ويظل الحلم مشروعا.. لرجل قسموا بلاده وهو في العاشرة من عمره..