... هو عنوان لقصة لم يكتب التاريخ لها مثيلا.. قصة بدأت قبل 33 عاما ولم تنته بعد... ثلث قرن من الزمن وجسده يسكن في قتامة الظلم... في زنازين القهر وفي غياهب الحرمان.. والموت.. ثلث قرن من الزمن... من المحن... من مأساة وطن... نائل البرغوثي.. أو «أبو النور»... ابن قرية «كوبر» الصامدة... «أبو النور».. رأى النور لأول مرة يوم 23 أكتوبر 1957.. أرضعته أمه الحاجة «فرحة» حليب الصبر والكرامة... وسقته الكبرياء والشهامة... نثرا من رصاص يتوشّح «بارودة» ليرسم لوحة فوق الفهم... وليحكي حكاية فوق البطش... والظلم.. فتكونت شخصية منبثقة من هذه المقوّمات... وتشكلت «مدرسة» في التضحية والصبر والفداء... ورائدة في الصمود والعطاء... ... في سجن نفحه.. وعسقلان وبئر السبع... هناك قضى نائل ولا يزال أكثر من نصف عمره.. هناك لا يزال يحتضن الألم والهمّ وحيدا... يقارع جلاديه بالارادة.. هناك وقفت ساعة الأيام.. والأعوام لتشهد على أسطورة ما انحنت.. كأنها تضاريس الكرامة... ولتشهد على معاناة لا حدّ لها.. وألم يزداد مع كل يوم وجرح غائر في القلب.. وغصّة تكبر مع الأيام ومع كل هذا يزداد قوة وثباتا وصمودا... كالصبر... بل كالصخر... الذي يتكسّر عليه الموج ويتبخّر... حين اعتقل كان عمره 21 عاما.. لم يتوقع في ذلك اليوم أن يقضي أكثر من نصف عمره داخل السجن... كان يقول دائما «أنا ابن ثورة ما تعوّدت ان تتخلى يوما عن أبنائها أو أن تتنكّر لبطولاتهم... أنا ابن ثورة عظيمة... ابن فلسطين... ومضت الأيام والأعوام وحفرت تضاريس الدهر صور المعاناة والألم على وجهه... وبانت الخطوط العريضة التي خلفتها هذه الأيام والأعوام على جبينه راسمة «وجع» زمن ثقيل... وطويل.. كبر الصغار وشاخوا... وظل في معصمه قيد العار الذي يكبّل يديه... خلف القضبان في مشهد يسطّر ملحمته بإرادة تكسّر الصمت الحزين... رغم عذابات الاعتقال المهين... ووجع السنين لم تنحن هامته... ولم توهن عزيمته... ولم يذل له جبين... رحلت والدته الحاجة «فرحة»... ولكن لم تكتمل فرحتها برؤية فلذة كبدها نائل... كانت تؤمن بأن سياسة الاعتقال والاذلال التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق ابنها سوف تنهار... وسوف ينبلج فجر الحرية فيعود نائل الى منزله الاول... في قرية كوبر... لم تفقد «أم نائل» ايمانها ولكنها فقدت حياتها... فرحلت «أم الأسرى»... وفي قلبها غصّة وحسرة... حسرة اللقاء بنائل... رحلت ولم تودّع نائل... مضت «الحاجة فرحة» وهي تحضن صورة ولدها الذي صبرت أكثر من 30 عاما على وجع لوعتها عليه... وعلى جرح حنينها وشوقها اليه... حين وفاتها وصل الخبر الى «أبي النور»... أدمعت عيناه.. وهو يودّع «الصبر»... ولم يودّع الأسر... مازال نائل اليوم يسطّر بثباته وصموده.. قصة نضال وشموخ قلّ نظيرها.. ومازال بإيمانه ومعنوياته يناطح عنان السماء... ويرسم ملحمة عز وإباء... فلك يا «أبا النور» تحية مجد ووفاء... فأنت الحر وهم الأسرى والجبناء... وقريبا تنال حريتك يا نائل... وينتصر الحق على الباطل... فالحق باق... والاحتلال... مهما طال حتما راحل وزائل...