العمل التوثيقي الذي أعده الزميل حافظ الهنتاتي، يستحق فعلا المشاهدة والمتابعة والبث التلفزي للتحسيس لتحصل الفائدة لما فيه من جدية في الطرح وعمق في التناول بأسلوب صحفي خفيف بسيط .. العمل يحمل عنوان «عودة الروح» وهو انجاز تلفزي توثيقي يتفحص بعين ثاقبة أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية والتاريخية والطبيعية بجزيرة قرقنة، كما يتعرض العمل بعمق الى المخاطر التي تهدد الأرخبيل بمفعول التملح أو التسبخ والانجراف البحري بمفعول المتغيرات المناخية اضافة الى مخاطر « الكيس» و«الكركارة» وهي الظاهرة التي استفحلت في السنوات القليلة الفارطة وباتت تهدد الثروة السمكية والطبيعية بقرقنة .. في العمل الذي لا تتجاوز مدته ال7 دقائق وجاء بثلاث لغات هي العربية والفرنسية والانقليزية، تعرض صاحبه الى جمال الطبيعة البكر بقرقنة متوقفا بالأساس عند سلامة البحر واليابسة من التلوث مبرزا أهمية الجزيرة كأكبر مخزون عالمي لجينات النخيل باعتبار أن 34 بالمائة من أراضيها هي غابات نخيل لأصول نادرة دوليا . سواحل قرقنة هي من أكبر السواحل التونسية التي تتمتع بأعشاب نادرة تحتضن بيض الأسماك بأنواعه المختلفة، ثم ان بحار الجزيرة بمفعول قلة عمقها ونسبة ملوحتها المرتفعة تنتج أسماكا مذاقها له نكهة خاصة يزداد طعمها حلاوة حين تكون الأسماك وقعت في «الشرافي» وهي أنواع من الصيد تتميز بها الجزيرة التي يمتلك أصحابها البحر بعقود كما يمتلكون الأراضي على اليابسة .. لكن هذا التنوع الطبيعي والمخزون الطبيعي الثري، بات حسب الشريط الوثائقي مهددا بعديد العوامل الناسفة والمدمرة منها العوامل الطبيعية من تسبخ وتملح وارتفاع مستوى البحر بمفعول المتغيرات المناخية وبمفعول الانسان الذي طالت يداه ثروات البحر فأتى على الأسماك ومفارخها الطبيعية في عقل دارها .. الشريط أتى على مجهودات الجهات المعنية وطنيا ودوليا، فصور دور وزارة الفلاحة ممثلة في المندوبية الجهوية للفلاحة والصيد البحري بصفاقس وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية والصندوق العالمي للبيئة للمحافظة على سلامة المخزون الطبيعي لقرقنة . هذه المجهودات لم تقتصر على الجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية ، بل جاءت بمشاركة ومساهمة معنوية ومادية من البحارة أنفسهم من أبناء الجزيرة الذين تبرعوا بأموالهم لصنع حواجز تعرقل «الكيس» و«الكركارة» وغيرهما من وسائل الصيد العشوائي والجائر .. الشريط توقف مطولا عند هذا الجانب ومن هنا جاء العنوان «عودة الروح» باعتبار أن مثل هذه المبادرة تساهم في اعادة الروح لكائنات غدت مهددة في وجودها كما قال الزميل حافظ الهنتاتي في تقديمه لعمله الجيد.. وبعيدا عن الجوانب الطبيعية، تعرض العمل الوثائقي الى الجوانب الاجتماعية والتاريخية والثقافية بجزيرة قرقنة، ليصور المرأة القرقنية على انها شريك للرجل في كل المهن على اليابسة وفي البحر ..نقطة قوة الشريط ليست هذه الجوانب الاجتماعية أو التقنية أوالعلمية فقط، بل الاختيار الموفق للمشاهد والصور التي تبرز جمال الأرخبيل التي تؤهله ليكون قطبا سياحيا ايكولوجيا دوليا .. في كلمة الزميل حافظ الهنتاتي استفاد كثيرا من عمله الصحفي لاعداد هذا الشريط العلمي والتوثيقي فجاء عمله جامعا مانعا وملخصا لواقع الجزيرة واستشرافاتها ..