بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي مرّت الأسبوع الماضي الأيام الشعرية الثلاثة في كلية الأداب بمنوبة في دورتها الثامنة عشرة، وقد تزامنت الأيام مع الذكرى الأولى لرحيل الشاعر والجامعي التونسي د. الطاهر الهمامي ولذا أطلق على هذه الأيام «دورة الطاهر الهمامي». وفي هذا دليل وفاء لهذا العلم الشعري والجامعي من قبل زملائه المنظمين لهذه التظاهرة الشعرية التي توزعت ما بين قراءات الأساتذة الشعراء وطلبتهم، وهي احتفالية حيوية يتذكر أمثالنا شبيهاتها في أجمل سنوات الحلم الشعري خاصة والابداعي عامة بكل حنين حيث كان للأحلام تألقها الجميل. ويبدو لي أن كلية آداب منوبة اعتادت أن تستضيف في كل دورة شاعرا أو أكثر من بعض البلدان العربية، ونتذكر من هؤلاء الضيوف عبد الوهاب البياتي ومحمود درويش على سبيل المثال. ولم تخرج هذه الدورة عن المعتاد فاستضافت شاعرة وروائية سورية هي السيدة بهيجة مصري إدلبي التي كان حضورها مميّزا، وكانت أشبه بالاكتشاف الجديد لمن لم يتعرّفوا عليها من قبل، وقد قرأت قصائد مؤثرة حتى أن الحاضرين طلبوا منها أن تعود للمنصة لتقرأ المزيد من قصائدها التي همس لي الشاعر الدكتور حسين العوري بأن ما سمعته منها هو الشعر الصوفي الأصيل وليس المفتعل الراكب لموجة عابرة. وقرأ أيضا شعراء جامعيون آخرون أمثال د. فتحي النصري ود. حسين العوري ود. خالد الوغلاني ومن أصدقاء الشاعر الهمامي قرأ الشاعر محمد الخالدي بعض قصائده التي ذكر أن الشاعر الراحل كان أول قارئ لها عندما كتبها لذا أهدى الديوان الذي ضمها والمعنون ب«ديوان مدينة الأنقاض» إليه. لكن المفاجأة كانت بدعوة العلامة الباحث السوري الكبير د. محمد قجة لحضور هذه الأيام حيث ألقى كلمة مؤثرة عن الفقيد الذي أحب مدينة حلب وتردد عليها في مناسبات عدة وكتب عنها قصائد حلبية قرأ منها مقاطع معتبرا أن الشاعر فيها لم يعارض الشعراء الذين توقف عندهم أمثال المتنبي بل أن ما كتبه هو استئناف لما كتبوه وتواصل جميل من الشاعر مع سابقيه الذين وقفوا عند حلب. د. محمد قجة الضيف المبجل هو الذي توصل بعد بحوث كثيرة الى ما تبقى من دار المتنبي في حلب التي يجري ترميمها الآن لتكون متحفا لهذا الشاعر الفارس الذي مازال حيا بيننا بقصائده الغرّاء. وقد ظهر د. قجة في أكثر من فضائية عربية ليتحدث عن هذا الاكتشاف. وقد حمل معه نسخا من المجلة التراثية «العاديات» وأهداها لبعض الحاضرين وقد ضمت ملفا عن الشاعر الراحل وصديقه القريب، وهي المجلة التي يدير ويرأس تحريرها، وقد قُسّم الملف الى قسمين الأول (كلمات في وداع الطاهر الهمامي) وضمّ كلمات لكل من: محمد قجة والطاهر وطار وكاتب هذه السطور (وقد نشرت الكلمتان الأخيرتان في «الشروق») وكلمة رابعة لبغداد عبد المنعم. والقسم الثاني (في تجربة الطاهر الهمامي الشعرية وضمّ ثلاث دراسات لزملاء الراحل من أساتذة آداب منوبة وهم الدكاترة زهية جويرو وحسين العوري ومحمد بن الطيب، كما شاركت الباحثة والناقدة السورية د. أسماء هيكل بدراسة عنوانها «خصوصية تجربة الطاهر الهمامي الشعرية»، وكانت هذه الباحثة قد كتبت دراسة واعية عن آخر تأليف نثري للشاعر الراحل المعنون «بعل ولو بغل» نشرتها مجلة عمان الأردنية. وهو الكتاب الذي ظلّ مثار سؤال بالنسبة لأكثر الذين قرأوه من أصدقاء الشاعر. رحم اللّه الطاهر الهمامي الذي لا يجمع الا على المحبة، محبة أصدقائه له، ومحبته هو لأصدقائه.