تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الهجرة: تخطيط دقيق... توكل وعزيمة وامتثال لأمر الله عزّ وجلّ
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

من القضايا المهمة التي لابد أن نتدبرها في قضية الهجرة أن الرجال الذين هاجروا مع النبي ص والنساء الذين تبعوهم على الرغم من أنهم كانوا قلة وضعفاء الا انهم كانوا أقوياء بإيمانهم وصبرهم واحتسابهم، وقد أعانهم الله وأكرمهم وكرمهم ورفع من شأنهم ولا شك أن العامل الآخر هو أن المدينة المنورة كانت قد بدأت تستقبل الاسلام ودخل في دين الاسلام عدد من أهل المدينة وكان هذا الأمر مهما وشجع رسول الله ص على التوجه الى المدينة المنورة. أضف الى ذلك أنه في ذلك الوقت كان لها دور أساسي باعتبارها مركزا حضاريا من الناحية التجارية ومن الناحية الزراعية، وكانت مدينة تعج بالحركة والنشاط بالاضافة لكونها ملتقى القوافل التي كانت تمر من الشام الى اليمن ومن اليمن الى الشام وهذا أيضا جعلها مؤهلة أن تلعب دورا أساسيا بالنسبة لانتشار الدعوة الاسلامية.
ومن العوامل الأخرى المهمة ما اتسم به أهل المدينة من مروءة ومن رجولة حتى أن رسول الله ص قال قولته المشهورة: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار».
أبعاد
ومن ينظر في قصة الهجرة وترتيباتها يحس بأبعاد ذلك التخطيط الدقيق الذي سبقه التوكل والعزيمة والامتثال لأمر الله عز وجل ثم تلاه الأخذ بالأسباب، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتشوق للهجرة مع رسول الله ص ولكن الرسول ص يدعوه الى التريث حتى جادت اللحظات الحاسمة التي أدرك فيها أبو بكر الصديق أن الوقت قد حان وأن الصحبة حاصلة وأن الهجرة قد أذن بها الله عزّ وجلّ.
وجاء اليوم المشهود، وجاء ص الى دار أبي بكر في وقت لم يكن من المألوف أن يزورهم فيه، فقد كان يلم بدارهم كل يوم صباحا أو في العشي، ولكنه لم يكن يزورهم أبدا في الهاجرة، واشتداد الح في مكة كما حدث في ذلك اليوم، فقال الصديق رضي الله عنه: ما جاء برسول الله ص الا أمر عظيم، وربما توقع أنه هذا الأمر وأنها الساعة التي كان ينتظرها. وكانت القصة فقد اخبره ص ان قد اذن له في الهجرة، وعليه ان يعد العدة ويستعد للخروج معه رفيقا ومؤنسا معينا في هذه الرحلة الخالدة بخلود كتاب الله المجيد، فبكى أبو بكر من شدة الفرح، ومنذ الساعة تزايد احساسه بالمسؤولية عن سلامة رسول الله ص...
وصل الركب الشريف الى غار ثور، ووجدا فيه مكانا صالحا للاختفاء فترة من الزمن حتى يهدأ الطلب، فأسرع الرائد الأمين يتقدم رسول الله ص يرتاد المكان يتفحصه ويؤمنه حتى يطمئن الى خلوه من عدو أو خطر أو دواب أو حشرات، ودخل الغار يصلح من شأنه قدر طاقته حتى يكون صالحا لاقامة رسول الله ص، وشق رداءه قطعا يسد بها شقوق الغار خشية أن يكون بأحدها حية أو هامة من هوام الارض تؤذي رسول الله ص وما أن حل الرسول الكريم بالغار حتى أسرعت الحمامة تصلح عشها وتبيض على بابه، وجاءت عنكبوت فنسجت نسيجها الواهي تسد به مدخل الغار وقد تم كل ذلك بأمر الله وتدبيره عزّ وجلّ.
الله ثالثهما
... وظل الفتية من قريش الذين يتربصون برسول الله ص أمام داره فغشيتهم الغاشية، فلم يحسوا به يتسلل من بين أيديهم، وما لبثوا أن علموا بخروجه، فأصابهم ما يشبه الجنون، وانطلقوا يبحثون عنه في كل اتجاه ويبذلون الوعود بالمكافأة السخية لمن يدلهم على محمد أو يأتيهم بأخباره وصاحبه، وأخذوا يهددون آل أبي بكر وصغاره عسى أن يفوزوا منهم بكلمة تدلهم على مكانه فلم يصلوا الى شيء.
انطلقوا يبحثون في كل شبر بمكة وشعابها وما حولها حتى وصلوا الى الغار وتقدم دليلهم وهو يتوقع في ما يشبه اليقين انه سيجدهما في هذا الغار المحفور في الصخر، لكنه فوجئ بما خيب أمله فقد وجد على باب الغار حمامة ترقد على بيض وعنكبوتا نسجت فسدت مدخل الغار، فقال للقوم انه غار لم يدخله أحد منذ شهور عدة، ارتجف قلب أبي بكر حين رآهم فوقه خوفا على رسول الله ص وقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا. فأجابه: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما».
-----------------------------------------------------------------
أحداث هامة رافقت هجرة الرسول ص
إذا أردنا أن نعرف أثر هجرة الرسول الى المدينة على تطور الدعوة الاسلامية وتدعيم دعائمها، وتوسيع نطاق نفوذها في أنحاء جزيرة العرب وخارجها، وجب علينا أن نتتبع مجرى الحوادث الهامة التي تبعت وصول الرسول ص الى المدينة، ومنها حدوث الظروف التي أفضت الى عقد المسلمين معاهدات واتفاقيات مع اليهود وقبائل العرب في المدينة، وفيما جاورها من المدن، وكذلك دخول المسلمين في حروب دفاعية مع أعدائهم وخاصة ما نتج عنها من انتصارهم في بدر، وكان للنتائج التي ترتبت عن هذه المعاهدات والانتصارات أثر عميق في نفوس المسلمين، ووقع كبير في أسماع العرب أجمعهم. من ذلك أن الوفود قد قدمت الى المدينة لمقابلة نبي الاسلام ص ومبايعته بعد انتشار خبر دعوته في أرجاء الجزيرة. ومنها تكوين حلف منظم يجمع شمل العناصر المتنافرة الضاربة في المدينة وضواحيها، فوضع الرسول وثيقته التاريخية يبين فيها ما للمسلمين وما عليهم فيما بينهم، وما للمسلمين واليهود وما عليهم.
-----------------------------------------------------------------
يثرب قبل وبعد الهجرة
كانت حال يثرب السياسية حين قدم النبي ص اليها: حالة حرب عوان بين الأوس والخزرج، ومؤامرات من اليهود لإشعال نار الفتنة بين هاتين القبلتين العربيتين، ومحاولتهم السيطرة على القبائل العربية المجاورة، فكان قدومه ص فاتحة عصر جديد في تاريخ جزيرة العرب لأنه آخى بين الأوس والخزرج حتى نسوا ما تأصل في نفوسهم من عداوة وضغائن، وأصبحوا بنعمة الله إخوانا، وانضموا تحت لواء الاسلام، ثم آخى رسول الله ص بين جماعات المؤمنين من المهاجرين الذين هجروا وطنهم ولحقوا به في المدينة، وبين الأنصار الذين رضوا به والمهاجرين معه، وأكرموا وفادتهم، وكانت المواخاة بين هذين الفريقين من المؤمنين في السراء والضراء توثيقا لعرى المحبة والأخوة الاسلامية بينهم.
وبهجرة الرسول ص الى المدينة وضع أول حجر في بناء الدولة الاسلامية، واتخذ مسجده مقره العام ليقيم فيه المسلمون شعائر دينهم، وليعقدوا فيه اجتماعاتهم للنظر في شؤونهم العامة، ووضع الرسول للجماعة الاسلامية نظاما تسير عليه في زمن السلم والحرب، وبدأ يعقد اتفاقيات بين الطوائف الاخرى، تضمن عدم الاعتداء على المسلمين، والاشتراك معهم في الدفاع عن المدينة ضد الخطر الخارجي، ثم أخذ يعد العدة لنشر الدعوة الاسلامية بين القبائل العربية، ولحماية هذه الدعوة، حتى صارت المدينة خلال فترة وجيزة مركز إشعاع للدعوة الاسلامية، ومحط أنظار قبائل العرب وشعوب العالم.
-----------------------------------------------------------------
ما أروع دروس الهجرة النبوية الشريفة
ما أروع أن نقف لحظات ننظر في دروس الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة وننظر بعمق في فصول الهجرة ودروسها، ونتعلم منها جوانب مضيئة من حياة رسول الله ص... هذا النبي الكريم، والرسول العظيم الذي لم يخرج من مكة مهاجرا الى المدينة المنورة الا بعد أن لقي الأذى من أهله وذويه، ثم ممن حوله من الذين كرهوا ان تظهر كلمة الله عزّ وجلّ، وان تكون كلمته سبحانه وتعالى هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
والعقلاء من الناس هم الذين يحرصون على اغتنام فرص المناسبات الاسلامية ليقفوا عندها ويتدبروا في اسرارها ومعانيها، ثم ليستفيدوا من كل تلك الجوانب العطرة في السيرة النبوية الشريفة في هذا المجال، وذلك لان هذه الدروس تساعد على تتبع جوانب السيرة النبوية العطرة، وأخذ الدروس منها والتعرف عليها وتعلمها ومتابعة احداثها وبالتالي أولادنا وتلاميذنا ومن حولنا جوانب من تلك الاسرار في مثل هذه المناسبات العظيمة.
-----------------------------------------------------------------
دوافع الهجرة
أصدر الرسول ص أوامره الى أصحابه بالهجرة، مختفين متفرقين قدر الامكان، وتنادى المسلمون من كل مكان هلموا الى يثرب، فلم تكن الهجرة تخلصا من الفتنة والاستهزاء فحسب، بل كانت من أجل التعاون على إقامة مجتمع جديد في بلد آمن، وأصبح فرضا على كل مسلم قادر أن يسهم في بناء هذا الموطن الجديد، وأن يبذل جهده في تحصينه ورفع شأنه، وأصبح ترك المدينة بعد الهجرة اليها نكوصا عن تكاليف الحق، وعن نصرة الله ورسوله، فالحياة بها دين، لأن قيام الدين يعتمد على إعزازها.
وفتح القرشيون يوما أعينهم على مكة التي كانت عامرة بأهلها من المسلمين فاذا هي قد أقفرت، والمحال المؤنسة قد اضمحلت وكعادتهم توجه القرشيون باللائمة على النبي ص وقد تجلى ذلك بقول أبي جهل للعباس: «هذا من عمل ابن أخيك، فرّق جماعتنا، وشتت أمرنا وقطع بيننا».
ومن اللافت أنّ المهاجرين قد خلفوا وراءهم أموالا ونساء وبيوتا وأطفالا وشيوخا ومتاعا كثيرا، ذلك لأن الهدف الذي هاجروا لأجله أغلى بكثير من كل متاع الدنيا.
-----------------------------------------------------------------
أثر الهجرة على تطور الدعوة الاسلامية وانتشارها في أنحاء العالم
لقد امتازت الرسالة التي أرسل بها الرسول محمد بن عبد الله ص بعموميتها الى كافة الثقلين، وشمولها لجميع مرافق الحياة البشرية. وقد خص الله تعالى رسوله محمدا ص وحده بأن يكون رسولا الى كافة الناس، وجعله خاتم النبيين، ورحمة للعالمين. وقد صرح القرآن الحكيم بهذا فقال تعالى مخاطبا له: {قل يا أيها الناس إنّي رسول الله إليكم جميعا} (الأعراف 158). وقال له رب العزة أيضا: {وما أرسلناك الا كافّة للناس بشيرا ونذيرا ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون} (سبأ 28).
فلا بد أن تكون الدعوة المحمدية غير محلية ولا بيئية ولا موجهة لأمة دون أخرى. ولقد كانت كل الدعوات السابقة عليه بيئية، محلية، محدودة، مصدقة، ومكملة، وممهدة. أما دعوته ص فهي في عمومها أوسع من أن تدرك أو تحدد لأنها تشمل الناس كافة وجميعا.
وقد كان دين الرسل واحدا كما قال سبحانه: {شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذين أوحينا إليك} (الشورى آية 13). وقال تعالي لنبيه محمد ص واحد من أتباعه في سورة آل عمران: {قل آمنّا بالله وما أُنزل علينا وما أُنزل على ابراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أُتي موسى وعيسى والنبيّون من ربّهم لا نُفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} (الآية 84).
-----------------------------------------------------------------
نواة الدولة الاسلامية تكونت في المدينة المنورة
إذا نظرنا الى طبيعة الدعوة المحمدية وخصائصها نرى أنها مرت بمراحل كثيرة، وكلها بإذنه تعالى وأمره، وبمقتضى حكمته في خلقه، فكانت الهجرة من مكة الى المدينة مرحلة هامة من مراحل الدعوة الاسلامية، ونقطة تحول خطير في انتشارها في أرجاء الارض، وهي التي مهدت السبيل لوصولها الى مختلف القبائل العربية، ودعت الأمم والشعوب لاستطلاع حقيقة هذه الدعوة وصاحبها وجذبت الوفود من داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها الى الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم، وفتحت الابواب الى فتح مكة ثم الى فتوحات أخرى عديدة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدأ دعوته في مكة، من أول نبوته، سرا، وبعد أن مضى في هذه المرحلة من الدعوة السرية أو المحدودة مدة ثلاث سنوات، أمره الله تعالى أن يدعو الناس الى الاسلام علنا، فكان يذهب الى الناس في مواسم الحج كل عام، والى المواسم الاخرى في عكاظ، ومجنة، وذي المجاز وغيرها من الاسواق العربية الشهيرة، واستمر هذا الدور المكي العلني من الدعوة الاسلامية عشر سنين أخرى، أي أنه استمر يدعو قومه ثلاث عشرة سنة، ولقي من الاذى هو والمؤمنون به الكثير، ثم أمره الله بالهجرة الى المدينة.
ونجم عن هجرة الرسول من مكة الى المدينة أن تكونت في المدينة نواة الدولة الاسلامية الاولى.
* قريش تحيك خيط المؤامرة
شعرت قريش بأن الاسلام أضحت له دار يأزر اليها، وحصن يحتمي به، وأصبح ذا منعة وقوة وبأس، فتوجست خيفة من عواقب هذه المرحلة الخطيرة في دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال في مكة، ولكنه لابد مدرك أصحابه اليوم أو غدا، فما عليها إلا أن تعجل به قبل أن يغادرها... فاجتمعت زعامات قريش في دار الندوة، وتداولوا في أمر التخلص منه، وطرحت آراء باعتقال الرسول صلى الله عليه وسلم وتكبيله بالاغلال أو بنفيه بعيدا في منقطع الصحراء. ولكن هذه الآراء جوبهت بالرفض لانها لم تكن ذات جدوى، وأخيرا أخذ برأي أبي جهل الذي قضى بقتله وتفريق دمه بين القبائل، وإن طالبتهم بنو هاشم بدمه فسيشيرون الى العشائر جميعا والى سيوف أبنائها، حيث تقطر دماء الرسول، وعندها تكون بنو هاشم أعجز من أن تطالب بدمه وقتال العشائر كلها.
وقد كشف القرآن الكريم خيوط هذه المؤامرة بقوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الانفال: 30) وعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك مكة الى المدينة، فألقى الوحي الكريم في قلبه وعلى لسانه هذا الدعاء الجميل: {وقل ربّ أدخلني مُدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} (الاسراء: 80)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينتظر من الوحي الاشارة بالتحرك بفارغ الصبر، وبالرغم من يقين الرسول صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل وبأن الله يرعاه، لكنه أحكم خطة الهجرة وأعدّ لكل فرض عدته، فاختار الامام عليّ كرم الله وجهه لكي يؤدي مهمة مزدوجة، أولاها: المبيت على فراش النبي صلى الله عليه وسلم وثانيها رد الامانات الى أهلها.
* الى المدينة المنورة أحب البقاع
من ينظر في قضية الهجرة النبوية الشريفة يلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متعلقا بمكة المكرمة، هذه المدينة الطيبة الطاهرة، وقد أحبها وولد فيها، وعاش ونشأ وترعرع فيها، وتنزل عليه الوحي من الله عز وجل في غار حراء بهذه المدينة الطيبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم وهو يخرج منها مهاجرا قولته المشهورة: «اللهم وقد أخرجتني من أحب البقاع إليّ فأسكني في أحب البقاع اليك» فكانت الهجرة الى المدينة بأمر الله وباختيار الله، وهو سبحانه الذي أكرمه وحماه وحفظه من المكاره التي أحاطت به، والمؤامرات التي حاكها أعداء الله له وأخذوا يتربصون به ولا شك أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قد أكرمه الله بالهجرة من حرم الى حرم، وكلا المدينتين ذات فضل وبركة وهما أحب المدن الى الله تعالى، ثم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم... ففي الاولى كانت نشأته، والثانية كانت اليها الهجرة وفيها مضجعه الاخير.
-----------------------------------------------------------------
الدعاء المستجاب
اللهم إني أشكو اليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين ورب المستضعفين أنت ربي الى من تكلني؟ الى قريب يتجهمني؟ أم الى عدو وكلته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى.
-----------------------------------------------------------------
موقع وتاريخ المدينة المنورة
تقع المدينة المنورة شمالي مكة، على مسيرة أحد عشر يوما منها، وكانت في تلك الايام مدينة مكشوفة معرضة للغزو الخارجي، حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق المشهور لرد عدوان قريش، ويقال إن أول من بنى يثرب أحد رؤساء العمالقة يسكنون في يثرب وفي ضواحيها في العصور الغابرة، ثم توالت هجرة اليهود الى بلاد العرب فرارا من وجه مضطهدين، أو الآخذين بالثأر منهم من البابليين، واليونان، والرومان، فاستوطنوا شمال الحجاز... وكانت أشهر القبائل اليهودية النازلة ببلاد العرب: بني نضير في خيبر، وبني قريظة في فدك، وبني قينقاع بالقرب من المدينة ذاتها. وكان اليهود يقيمون في قرى محصنة فاستطاعوا أن يسيطروا على جيرانهم من القبائل العربية الى أن جاءت الاوس والخزرج وهما قبيلتان من نسل قحطان فأقامتا في يثرب ودانتا لليهود في أول الامر ثم صارت لهما الولاية عليهم.
----------------------------------------------------------------
أبوبكر الصديق يضع ثروته في خدمة الدعوة
حمل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثروته ليضعها تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت أسماء ابنته أنها خمسة آلاف أو ست آلاف درهم. لقد مكث الاثنان في الغار ثلاث ليال وقد تمكن المشركون من اقتفاء أثرهم الى الغار حيث رأى الصديق أقدامهم فقال: «يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا». قال: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما».
والى هذا اليقين التام والتوكل الكامل تشير الآية: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} (التوبة 40).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.