تحتفل تونس اليوم 3 ماي ، وكسائر دول العالم، بالعيد العالمي لحريّة الصحافة الذي اختارت له منظمة اليونسكو هذه السنة شعار «حرية المعلومة والحق في الحصول عليها» وهو شعار يعكسُ تطلعات المجتمع الدولي إلى المزيد من الشفافيّة والموضوعيّة والمهنيّة في هذا القطاع الحيوي والحسّاس. ولا مناص من التذكير في هذا الصدد بما توصّلت إليه أبحاث ودراسات المختصين في علوم الإعلام والاتصال من خطورة بالغة في عالم اليوم جرّاء صنوف الرقابة والتوجيه والمغالطات الّتي ما تزال تطبعُ المشهد الاتصالي الدولي كنتيجة لمتغيّرات العلاقات بين الدول وبين مختلف الفاعلين أساسا في الحقلين السياسي والاقتصادي، ممّا جعل من المادة الإعلاميّة وعبر مختلف الوسائط الاتصالية محلّ تدقيق متواصل لمعرفة الصواب من الخطإ وتمييز الغثّ من السمين والوقوف عند ما يخدم الناس ويُنير بصائرهم عمّا يجري من حولهم من أحداث ومستجدّات وعند ما يُدسّ من دسائس لتعمية تلك البصائر وحجب المعلومة الصحيحة عنها. لم يعُد اليوم أداء الصحافة ووسائل الإعلام بريئا وأضحت تختمرُ وسط المشهد الاتصالي صفقات مشبوهة تُعقدُ في صالونات اللوبيات ذات النفوذ والمصالح المشتركة من ساسة ورجال اقتصاد ومختصين في توظيف التكنولوجيات الاتصالية الحديثة وتطويعها ، إلى درجة اقرّ فيها العديد من الباحثين الموضوعيين بانتفاء وجود حرية مطلقة للمعلومة وانعدام أوجه الحقيقة المطلقة عن تفاصيل ما يُنشر ويبثّ ويُذاع ويوضع على شبكة الأنترنت. إنّها المفارقة العجيبة الّتي تضع العديد من نقاط الاستفهام حول قدرة الصحافة والإعلام على التخلّص من جميع تلك القيود والمعوّقات وقوى الهيمنة والتوجيه المختلفة. وفي بلادنا أقام الخطاب الرئاسي ومنذُ فترة مبادئ ما يجب أن يكون عليه أداء إعلامنا الوطني في مثل هذه الأوضاع الدوليّة المعقّدة والتي تزداد تداخلا من فترة إلى أخرى، إذ منح ذلك الخطاب وفي العديد من المناسبات ، ومن آخرها الرسالة التي توجّه بها أمس السيّد الرئيس إلى الأسرة الإعلامية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، منهجيّة دقيقة جدّا للكيفيّة الّتي يجب أن تشتغل بها مختلف وسائل الإعلام والصورة الّتي يجب أن تكون عليها الصحافة وحريّة التعبير في بلادنا قياسا إلى ما توفّر لهذا القطاع من اهتمامات وحوافز ومزايا ركيزتُها الأولى نخبة نيّرة من الكتاب والمحللين والمحررين والتقنيين ضاهت بقدراتها ما هو موجود في الدول المتقدّمة، وثاني ركائزها انعدام المحظورات والمحرمات في تناول مواضيع الشأن الوطني نقدا وإثراء بالمقترحات والتصوّرات والبدائل، هذا إلى جانب العناية الرئاسيّة الموصولة بالظروف المهنيّة للعاملين في القطاع والّتي تزداد ثراء من فترة إلى أخرى في اتجاه تمكين هؤلاء من أريحيّة في أدائهم وقيامهم بواجباتهم بقدر عال من الثقة في النفس وعلى نحو واسع من الجرأة والتخلّص من مختلف صنوف الرقابة والخوف والتوجسات. وقرن الخطاب الرئاسي بين تلك الهوامش المفتوحة للكتابة والنقد والتحليل بمسألة في غاية الأهميّة ألا وهي المسؤوليّة واحترام أخلاقيات المهنة الصحفيّة والّتي تفترضُ وُجوبا عدم المسّ بالذوات وبالأشخاص والابتعاد عن مختلف أوجه السبّ والثلب وهتك الأعراض والاقتراب أكثر ما يُمكن من هدف نبيل ألا وهو خدمة الشأن الوطني لا سواه. إنّ الاعتماد على الانتقائيّة ومُجانبة الموضوعيّة والتركيز على ملفات وقضايا دون سواها أو تصفية الحسابات الضيّقة والانتصار الأعمى لهذا الطرف أو ذاك تحت شعار حريّة التعبير مدعاة إلى طرح خفايا ما يتحرّك به البعض من أجندات لا تُراعي مصالح البلاد بقدر ما تتجانس مع مطامح جهات وأطراف أخرى لم يعُد من الصعب تبيّن أهدافها ومقاصدها الماسّة باستقلاليّة الأوطان وامتلاكها لحقّ السيادة في تقرير شؤونها وتصريف أحوالها. إنّ حريّة الصحافة، هي هكذا في فكر الرئيس زين العابدين بن علي، أداة ووسيلة لإثراء التجربة التعدّدية والديمقراطية في البلاد وإنارة الرأي العام بعيدا عن كلّ أشكال التزييف والإثارة المجانيّة من أجل نقد بناء ومسؤول خدمة لمختلف المسارات التنمويّة، وليس العكس. إنّ حريّة التعبير وحريّة الصحافة مُقترنة بمسؤوليّة وطنيّة في غاية من الدقّة والأهميّة ، وبذا أي بهذه المسؤوليّة يكون المشتغلون في هذا القطاع، من إدارة ومهنيين ومؤسّسات حكوميّة أو حزبيّة أو مستقلّة، بحقّ من قادة الرأي وصناّع القرار الوطني والمساهمين بجدّ في الهدف الطموح بالارتقاء ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدّمة.