«الحلم مثل الورد يكبر...» مطلع هذه الأغنية الجميلة، ينطبق على واقع فريق الملاسين، الذي كادت الأيام تعصف بتاريخه المجيد، والعزيز على قلوب أبنائه ومنذ نزوله من الوطني «أ» دخل النادي الأولمبي في متاهات ومشاكل وتكتلات كادت تهز ما بقي من أسسه وأركانه وكأن بعض أبنائه تلذذوا آلامه وجراحه. المعروف أن «الأوضاع تخلق الأفكار» وما وصل إليه الأولمبي، خلق قناعة، بضرورة التخلص من الأخطاء، ومن أبرزها ضرورة العودة، إلى خصلة ميزت تاريخ فريق الملاسين، وهي الاعتماد على «أبنائه الذين ترعرعوا في أحضانه ونهلوا من عراقته، وكذلك اللعب بدون ضغط حيث حدثني أحد اللاعبين، عما طالبتهم به هيئة فريقهم فكان الرد «إلعبوا واستمتعوا، وبللوا أزياءكم عرقا، ولا تنظروا إلى حكم، ولا إلى ما قام به ناد منافس» فكانت النتيجة تحقيق الصعود وبداية العودة التدريجية إلى الأضواء. فريق مثقف من أهم ميزات فريق الملاسين، وعلى عكس ما يتوقعه البعض، فإن الرصيد البشري من اللاعبين، يتوفر على عدد هام من الشبان المثقفين، وهذا ليس قدحا في الباقين الذين تميزوا بالإنضباط التام، ومن الجامعيين، ونذكر من هؤلاء أشرف الزيتوني وحاتم آية الأشقر وحاتم السوداني ونادر بن علية، ومحمد السويسي وعباس بوعلاق (أستاذ) وجدي العياشي (أستاذ) ولهذا الجانب تأثير إيجابي لمسيرة الأولمبي، من حسن تعامل ذهني مع المقابلات، وسرعة استيعاب لتوجيهات الإطار الفني، الذي لم يجد صعوبة في التعامل مع اللاعبين. وفي نفس الإطار، ميزة أخرى للفريق متوفرة، وهي صغر سن جلهم، ومعدل الأعمار لا يتجاوز 22 سنة، كما أن اللاعبين، لعبوا مع بعضهم في الأكابر منذ ثلاثة مواسم، دون اعتبار مواسم الأصناف الشابة، وهو ما أسس لتناغم الأداء، وكذلك تضامن اللاعبين فيما بينهم. ثقة متبادلة لأنه لا جدال في الخبرة الطويلة والثرية لمحي الدين هبيطة، فإنه أحسن استثمارها لفائدة الفريق الذي صنع له إسما لن يمحي من الذاكرة، ف«بيلي العرب»، كان واضحا جدا في تعامله مع «أبنائه» حيث ابتعد عن الوعود الكاذبة وتوريطه نفسه في الأمر، وأسس لثقة متبادلة بين الهيئة واللاعبين، حيث كانوا يتدربون ويلعبون وهم مطمئنون على حقوقهم، فهيئة فريق الملاسين، وعدت بما هو ممكن، وصارحت لاعبيها بما هو متوفر من المال، وكان اللاعبون عارفين بمصادر تمويل ناديهم، مثل هيئتهم. كما أن نقطة هامة تحسب في هذا الإطار، وهي لا وجود لأموال لبعض اللاعبين «تحت الطاولة» للابتعاد عن التمييز، الذي يتسبب عادة في الإنقسام بين اللاعبين. من ناحية الإطار الفني، وبشهادة جميع اللاعبين، فقد تفادى الممرن المتخلق محرز الميلادي أخطاء سابقيه، وفرض الإنضباط على «أبنائه» بالإقناع، فكان بمثابة الأخ الأكبر لجميع لاعبيه، وأعطى لكل ذي حق حقه، ومنح الفرصة لجميع اللاعبين، على حد سواء، ولم يسع إلى معاملة البعض معاملة خاصة، أو مفضلة على زملائهم، فيحظى بالاحترام والتقدير، ولعب أبناؤه عديد المقابلات من أجل شخصه فقط، فكان تتويج المسيرة الوردية. هزيمة واحدة فقط باستعراض المسيرة الوردية للفريق، فإن لغة الأرقام، تتحدث عن هزيمة واحدة فقط كانت أمام القلعة الرياضية بميدانها بهدف مقابل صفر، مع خمس تعادلات والفوز في بقية اللقاءات، وقد تمكن خط الهجوم من تسجيل 29 هدفا، ولم يقبل الدفاع سوى ثمانية أهداف فقط، مع ضرورة الإشادة في هذا الإطار بخط الدفاع. وبصفة خاصة الحارس الممتاز الناصر شعبان، نظرا لما يتمتع به من مهارات عالية، وخبرة هامة حتى بأجواء الوطني «أ»، فكان أسدا في عرينه، ومن ميزات هذا الحارس، بالإضافة إلى مهاراته الفنية، نجد تمتعه بأخلاق عالية، ولغة الأرقام تفرض نفسها في هذا الإطار، وهو أن هذا الحارس، شارك في جميع المقابلات، ومع ذلك فإنه لم ينل ولو ورقة صفراء واحدة. وعموما، فقد تحصل الفريق طيلة مسيرته على ثلاث ورقات حمراء فقط، من بينها ورقتان صفراوان في ذات المقابلة، كانتا من نصيب كل من عباس بوعلاق والمنذر رمضان. فريق هداف من نتائج التماسك والتضامن بين اللاعبين، أن أغلبهم شارك في تسجيل الأهداف، بدءا بالمدافعين، وصولا إلى المهاجمين، وكانت نسبة التهديف متقاربة بين عدد هام من اللاعبين، فالمدافع كمال بن فرحات سجل أربعة أهداف، مثله مثل المهاجم الممتاز نادر بن علية، وفي طليعة الهدافين، نجد اللاعبين عباس بوعلاق، وخليل حسني، برصيد 5 أهداف لكل واحد منهما. هذه وصفة مواصلة النجاح في متابعتنا لأجواء الفريق وللرصيد البشري من اللاعبين، وكذلك للطموح في مواصلة التألق، فإن الرصيد الحالي من اللاعبين، يلوح ثريا للغاية ويافعا، فالشبان تحدوهم عزيمة كبيرة على التألق واستعادة، المكانة اللائقة بعراقة فريقهم، حيث أن الأولمبي عول هذا الموسم على أبنائه فقط، ولا يوجد منتدب سوى لاعب الوسط الدفاعي بشار القادم من مقرين، حيث أضحى بفضل إضافته وانضباطه، ابن عائلة الأولمبي، ومحبوب من الجميع. وعليه فإن الفريق لا يحتاج في أقصى الحالات إلا للاعب أو اثنين فقط من أصحاب الخبرة. كما أن هناك أمرا آخر لا يقل أهمية لحصد النجاح، وهو مواصلة الصراحة، وهنا نتحدث عن الهيئة المديرة المقبلة، حيث يجب الإجتماع بالأحباء، ومصارحتهم بواقع الفريق، والتريث والصبر على اللاعبين، لأن أفضل ما يقدمه اللاعب من مهارات وجهد، يتحقق عندما لا يلعب تحت ضغط النتائج، ومواصلة العمل بمقولة «إلعبوا واستمتعوا...» حتى تعود ميزة افتقدها فريق الملاسين خلال المواسم الأخيرة، وهي أنه «برازيل كرة القدم التونسية».