قوارير مياه معدنية بنصف سعرها المعروف... علبة شكلاطة أو كيس قهوة أو قارورة عصير مجانا عند شراء علبتين أو كيسين... تخفيضات «مدهشة» كلما ارتفعت المشتريات اضافة الى امتيازات مالية أخرى توفرها بطاقة الحريف الوفي... اغراءات عديدة تبتكرها من يوم لآخر الفضاءات التجارية الكبرى التي يناهز عددها اليوم في بلادنا ال 150...فتدفع بالمستهلك الى التزود بحاجاته الشهرية من المواد الغذائية وغيرها وتقلل بذلك من حظوظ التجار الصغار وخاصة «العطارة» الذين طالما تذمروا من هذا الواقع.... بالتوازي مع هذا المشهد، برز في السنتين الأخيرتين مشهد آخر: تجار صغار و«عطارة» يتزودون بدورهم من الفضاءات التجارية البكرى عوض التزود من تجار الجملة خاصة بالنسبة للمواد الغذائية مستغلين التخفيضات و«الاغراءات» التي توفرها، والتي قد تمكنهم من تحقيق هوامش ربح أرفع... فأي تأثير لذلك على قطاع تجارة المواد الغذائية بالجملة؟ هل يعتبر ذلك منافسة غير شريفة بما أنه يقلل من حظوظ تجار الجملة؟ هل يسمح القانون للفضاءات التجارية الكبرى بتوفير المواد الغذائية وغيرها بأسعار الجملة وهل يسمح ل «العطارة» بالتزود منها عوضا عن تجار الجملة العاديين؟ تظبط القوانين والتشريعات في تونس العلاقات التجارية بين مختلف الاطراف المتدخلة من منتجين الى تجار جملة وتفصيل وصولا الى المستهلك... وحسب قانون أوت 2009 المنظم لتجارة التوزيع، فإن المنتج ممنوع من البيع مباشرة للمستهلك كما أن تاجر الجملة هو الذي يتزود بالسلع من المنتج ويبيعها فقط لتاجر التفصيل ويمنع عليه هو الآخر البيع مباشرة للمستهلك أما تاجر التفصيل فهو الذي يتزود اما من المنتج أو من تاجر الجملة ليبيع السلع فيما بعد الى المستهلك... وفي مختلف هذه المراحل، يحدد القانون هوامش الربح التي يجوز تحقيقها... لكل متدخل.... أسعار تتزود الفضاءات التجارية الكبرى بكافة السلع تقريبا من المنتجين مباشرة شأنها شأن تجار الجملة وبالاسعار نفسها وأحيانا أقل، بما أن «أغلب المنتجين الفلاحيين والصناعيين يعاملون هذه الفضاءات الكبرى معاملة خاصة بحكم ارتفاع حجم شراءاتهم منها ويوفرون لها أسعارا تفاضلية ويمنحونها سلعا اضافية مجانية تستعمل عادة لاغراء المستهلكين حتى يقبلوا أكثر على المنتوج» كما يقول السيد حبيب المايل رئيس الغرفة الوطنية النقابية لتجار المواد الغذائية بالجملة... ومن الطبيعي حسب المتحدث أن تستغل الفضاءات الكبرى هذه الامتيازات لتعرض بضاعتها بأسعار منخفضة للغاية تغري المستهلك وتوفر له عروضا أخرى مثل «إشري ثنين... الثالثة بلاش»، وفي بعض الاحيان تغري تاجر التفصيل بما أنها تكون أحيانا أقل من الاسعار التي يبيع بها تجار الجملة فيتزود منها بكل ما يحتاجه... ويضيف سي الحبيب «ما ذنبنا نحن تجار الجملة اذا لم يمنحنا المصنعون والمنتوجون مثل هذه الامتيازات... طبعا لا نقدر على البيع بالخسارة وسنتعامل حسب هوامش الربح التي يضبطها لنا القانون.» قانوني؟ هذه الوضعية سمحت، حسب رئيس غرفة تجار المواد الغذائية بالجملة، للفضاءات الكبرى ب «مخالفة القانون تحت غطاء تحرير التجارة... اذ أصبحت تمارس تجارة الجملة والتفصيل معا في فضاء واحد رغم أن القانون واضح ويفرض أن يكون كل من النشاطين في محل مستقل عن الآخر، وله محاسبة خاصة به»... غير أن هذا القانون لا يمكن تطبيقه اليوم على الفضاءات الكبرى بما أن نشاطها هو في الأصل (حسب التراخيص الممنوحة لها والتراتيب المنظمة لها) تجارة التفصيل... غير أن الاسعار التي تبيع بها بعض سلعها تحيل الى الأسعار المعمول بها لدى تجار الجملة، ولا يمكن منعها من ذلك في اطار مبدإ حرية المنافسة والاسعار ومن المفروض حسب السيد حبيب المايل «خلق اطار قانوني وتشريعي لمزيد تنظيم هذه المسألة وحتى لا تتحول هذه الفضاءات الى منافس ل 18 ألف تاجر مواد غذائية بالجملة وتهددهم بالتالي بالافلاس والغلق». 80 % يغطي ال 18 ألف تاجر مواد غذائية بالجملة أكثر من 80% من الحاجيات الاستهلاكية الغذائية للتونسيين، ويغطون بذلك كل جهات البلاد وكل الفئات والشرائح الاجتماعية عبر تزويد أكثر من 200 ألف تاجر تفصيل أما الفضاءات التجارية الكبرى البالغ عددها حوالي 130 فقط، فإنها لا تلبي الا 20% أو أقل من الحاجيات المذكورة اضافة الى اقتصارها فقط على المدن الكبرى.. هذه الارقام تبين حسب حبيب المايل «أهمية قطاعنا ودوره الاقتصادي والاجتماعي الكبير الممتد على عشرات السنين السابقة... فبفضل قطاعنا تصل السلع وخاصة المواد الغذائية لأقاصي البلاد... وبفضلنا يقدر تجار التفصيل العطارة على التزود بالكريدي ونؤمن لهم أحيانا نقل السلع، وذلك حتى لا تبقى منطقة واحدة أو مواطن واحد بلا مادة غذائية أو استهلاكية ما... وهذا لا توفره الفضاءات التجارية الكبرى... ومن المفروض أن تلتفت لنا الجهات المعنية وتوفر لنا الحصانة التجارية اللازمة حتى لا تضيع الاف موارد الرزق ومواطن الشغل التي يوفرها قطاعنا.» امتيازات حسب السيد حبيب المايل، تحظى الفضاءات التجارية الكبرى اليوم بعدة امتيازات «تجارية» من المنتجين والمصنعين وأيضا من السلط المعنية بالشأن التجاري... فالمصانع تسعى دوما الى تلبية حاجيات الفضاءات الكبرى من السلع والبضائع أولا ثم تلتفت فيما بعد لتجار الجملة، وأحيانا يتم ذلك بدعوة من السلط المعنية خاصة خلال مواسم ذروة الاستهلاك (كالمياه المعدنية والمشروبات مثلا في الصيف والحليب خلال فترة نزول الانتاج)، وهو ما يترك تجار الجملة ومن ورائهم تجار التفصيل والمستهلكين ببعض المناطق «في التسلل» ولا تصلهم بعض السلع الا بشكل متأخر... وهذا من شأنه أن يشجع تجار التفصيل (العطارة مثلا) على هجر تجار الجملة والتوجه نحو هذه الفضاءات للتزود بما يحتاجونه حسب محدثنا... ومن جهة أخرى، توفر المصانع ومصادر الانتاج المختلفة سلعها للفضاءات الكبرى بأسعار تفاضلية وتمنحها أحيانا سلعا مجانية لاستغلالها في البيوعات التنموية وهذا لا يوفره المنتجون لتجار الجملة، ومن المفروض حسب حبيب المايل إما القطع مع هذه الممارسات أو تمكين تجار الجملة منها أيضا اضافة الى ضمان تزويدهم بشكل منتظم بالسلع وعدم تفضيل الفضاءات الكبرى عليهم عندما يتعلق الامر بمنتوج غير متوفر بالشكل الكافي أو بذروة استهلاك منتوج آخر. زجر يفرض القانون على تجار التفصيل مسك فواتير تثبت تزودهم ببضاعة ما سواء من تاجر الجملة أو من المنتج... غير أنه في صورة التزود من الفضاءات الكبرى، فإن هذه الأخيرة لا تسلم الشاري فواتير... ومن المفروض حسب رئيس غرفة تجار المواد الغذائية بالجملة مزيد تشديد المراقبة والردع لتجار التفصيل فيما يتعلق بهذه الفواتير حتى تتوقف ظاهرة التزود بالجملة من الفضاءات التجارية الكبرى ويلعب كل متدخل تجاري دوره العادي دون المس بمصلحة المتدخلين الآخرين.