استند رجال فرقة الشرطة العدلية ببن عروس مؤخرا إلى الخبرة والفطنة في تعقّب أربعة كهول يشتبه بتخصصهم في سرقة المواشي باعتماد أسلوب تخدير أصحابها وتسميم كلاب الحراسة. هم أربعة غزا الشّيب رؤوسهم (48 سنة و52 سنة و58 سنة و60 سنة) جمع بينهم حسب الأبحاث ماض قضوا جزءا كبيرا منه في السجون وألّف بين قلوبهم ميل نحو الكسب غير المشروع، فكان أن اتفقوا على اتباع أسلوب مبتكر في الجريمة يتناسب مع مظاهرهم العامة وأشكالهم التي تعطي انطباعا خاطئا حول نواياهم وبالتالي تساعدهم على ترويض الفرائس بأيسر السبل والطرق ومن ثمة يوقعون بضحاياهم الذين يحدّدونهم قبل استهدافهم في آجال قصيرة، ومن ورائهم يغنمون أموالا كثيرة... لكن العيون السّاهرة قطعت عليهم الطريق واقتادتهم واحدا واحدا إلى طاولة التحقيق حيث اعترفوا بارتكاب 8 عمليات سرقة طالت 8 قطعان خراف كان يرعاها أصحابها في 8 مناطق مختلفة منها برج السدرية ورادس والمرسى وبن عروس ومرناق وغيرها. ترويض الفرائس اختلفت المناطق وحافظ أفراد العصابة على ذات الأسلوب، إذ كانوا ينتقلون من حي إلى ضاحية ومن سهل إلى جبل، في دائرة تونس الكبرى، باحثين عن قطعان الغنم، وحين يعثرون على ضالتهم يتدارسون أيسر الطرق لبلوغها وسرقتها وعادة ما يتقدم أحدهم في ثبات وبكل ثقة فيسلم على مالك الماشية أو راعيها ويتعلّل بشأن واه ليقود ضحيته المفترضة نحو حديث ذي شجون لا ينتهي منه إلا حين يشعر أن عملية الترويض نجحت وأن الثمرة أينعت فيرجئ قطافها إلى حين.. أي إلى لقاء آخر عادة ما يكون من الغد أو بعد سويعات معدودات يكون خلالها قد استعد لتنفيذ الخطة وأحضر أدواتها وهي تتمثل بالأساس في شاحنة لنقل الغنائم ومادة مخدرة شديدة المفعول يدسّها في علبة «ياغورت» أو قارورة مشروب غازي وأخيرا سمّ زعاف وقطع لحم لقتل كلاب الحراسة إذا وجدت وبعد أن «ينام» الراعي يجتمع شمل الأربعة حول «الخرفان» التي سرعان ما تشحن وتنقل إلى مكان تودع فيه إلى أن يحين موعد بيعها فتنتقل مجددا إلى أسواق سوسة أو تونس أو قرمبالية أو النفيضة أو مساكن.. حيث تباع ويتقاسم الأربعة المداخيل ثم يفترقون على أمل اللقاء في عملية موالية. واحدة من ثمان كان شيخ طاعن في السن يرعى قطيعه محاذيا لطريق نعسان حين أقبل عليه رجل أصغر منه سنّا، وسلم عليه وقدم له نفسه على أنه يمتلك أغناما عجز عن توفير المرعى والراعي لها وطلب الوافد من الشيخ إن كان بإمكانه «استضافة» قطيعه بين أغنامه إلى أن يجد حلاّ فلم يمانع الشيخ واتفق الطرفان على الجزئيات والتفاصيل ومن ثمة غادر الرجل المكان ليغيب قليلا قبل أن يعود للقاء الشيخ مجددا ويقدم له علبة «ياغورت» تناولها بدون تردد ثم نام إلى جانب الطريق ليستفيق على وقع ضياع خرفانه.. فلملم شتات قواه وقصد أقرب مركز للأمن حيث روى مأساته.. وترجى الأعوان ان يعيدوا إليه ماشيته.. وقد توفّق رجال الشرطة العدلية ببن عروس في ايقاف المظنون فيهم الأربعة ووضعوا حدّا لكابوس عاشه مربو الأغنام في أكثر من مكان من ولايات تونس الكبرى.