الجناح الليبي في معرض الحرف والصناعات التقليدية المغاربية الذي أقيم بمنتزه فرحات حشاد برادس أواخر الأسبوع الفارط ضمن فعاليات الدورة السادسة للمهرجان المغاربي للتراث لفت إليه الانتباه بما تضمّنه من قطع أثرية ترقى الى مستوى الندرة والقيمة التاريخية العالية. المفاجئ في الأمر أن تلك القطع هي ملك شخصي لمواطن من الجماهيرية الليبية. السيد أبوبكر مصباح صقر صاحب هذه الثروة الأثرية والمشرف على «دار الرجبان للتراث». قال إن القانون في الجماهيرية يسمح للأفراد بامتلاك القطع الأثرية بالطرق المشروعة. الرجل حدّثنا عن ممتلكاته بكل عفوية واعتزاز وأبدى دراية بمراجعها وقيمتها. الحقيقة أن الأثاث التقليدي بل الأثرى في معرض هذا الرجل الجماهيري كثيرة وهي أكثر حسب قوله هناك في «دار الرجبان للتراث» بليبيا الشقيقة.. أدوات حجريّة على حالتها الأولى تعود إلى زمن الانسان البدائي على غرار سهام للقنص وسكاكين كبيرة الحجم وصغيرة وطواحين ورحى وحجر صوّان لاشعال النار وحجارة طبيعية يعود عمرها حسب علماء الجيولوجيا إلى 65 مليون سنة وغصن شجرة متحجّر وحبّات لوز كذلك.. دينار عربي يعود الى فترة بداية الخلافة العباسية يحمل في الوجه عبارة «لا إله إلاّ اللّه» مع اسم «حسن» وهو أمير حمداني وفي القفا نقشت عبارة «قل هو اللّه أحد الله الصمد» بالخط الكوفي غير المنقوط. إلى جانب هذا الدينار توجد مجموعة من القطع النقدية الفينيقية والرومانية، الأولى تحمل صورة لرأس امرأة قد تكون أميرة قرطاج وتحمل الثانية صورا لرؤوس قياصرة وفي قفاها سهام حربيّة. نجد كذلك عددا غير قليل من الوحدات النقدية العثمانية تحمل اسم السلطان عبد الحميد أو عبد المجيد رشاد وصوره. كما نجد مخطوطات لعقود بيع وزواج بعضها كتب في تونس بإحالات واضحة وخط مقروء ومنها ما يعود تاريخه الى سنة 1007 هجريا وبداية القرن السابع عشر ميلاديا.. تحف نادرة وثروة أثرية تاريخية وتوثيقية هامة جدا يقول السيد أبوبكر مصباح صقر إنه ورث بعضها عن أجداده وعثر على بعضها الآخر عن طريق الصدفة لاسيما أن منطقة الرجبان التي يقطن فيها في الجماهيرية والتي تبعد حوالي 170 كلم عن الجنوب الشرقي التونسي وتتاخم الصحراء الكبرى هي منطقة جبلية أثرية بامتياز وأنه من عشاق الصحراء حيث وجد بعضا من القطع الأثرية كذلك. السيد أبوبكر مصباح صقر بدا مدركا لقيمة معروضاته وبدا عفويّا جدّا في تعامله مع محاوريه من الزوّار عفوية نقله لتحفه الأثرية في سفره ذهابا وإيّابا بين الجماهيرية وتونس على شاحنة عادية ضمن قافلة ليبية بكل بساطة وبكل اطمئنان على نحو بدا مختزلا لعادات سفر قديم ولروح رحلات الأسلاف في تواضعها وجرأتها على الطريق.. السيد أبوبكر مصباح صقر عبر في ختام حديثه مع «الشروق» عن انشراحه لتمكنه من عرض «تحفه» الأثرية في تونس وعن الغبطة بإقامته في هذه البلاد الجميلة الطيبة ملاحظا أنّ اطّلاعه على تراث المنطقة المغاربية وعادات أهلها وتقاليدها باعتباره من هواة الرحلة والصيد وجمع «الأشياء القديمة»، يجعله يؤكد بكل رصانة وجود هوية ثقافية واحدة بين شعوب المنطقة وتحديدا بين الجماهيرية وتونس.