تونس الشروق : أثار اكتشاف القطع الاثرية بمنازل آل الطرابلسي وصخر الماطري استياء وسخط كل التونسيين وخاصة أهل الاختصاص الذين يعرفون جيدا قيمة تلك القطع الاثرية... والحقيقة أن ما عثر عليه في تلك المنازل يمثل نسبة ضئيلة مما تم اتلافه والتفريط فيه من قطع أثرية، هذا الى جانب الاهمال الذي تعرضت له عديد المواقع الاثرية في تونس العاصمة (قرطاج)، أو في ولايات المهدية والمنستير، ومدن أخرى مثل مدينة الكريب. هذا الوضع الهش للمواقع الاثرية يعود الى سنوات عديدة خلت، وما المذكرات التي رفعت الى سلطة الاشراف حول هذا الموضوع الا دليل على الحالة المزرية لمواقعنا الاثرية. ففي مذكرة رفعها السيد نجيب سلامة مستشار وزير الثقافة (الدكتور المنجي بوسنينة) نقرأ: «ألفت انتباه سيادتكم أني لاحظت أن أكثر الباحثين ضمن معهد الاثار فقدوا مصداقيتهم وأصبحوا ينصاعون للتعليمات الصادرة عن أعلى هرم السلطة مما سيجرنا الى اتلاف والمساهمة في ضياع ثروتنا ومجدنا التاريخي والحضاري وفقدان كثير من المواقع الاثرية للمصالح الشخصية!! ويقترح مستشار الوزير في هذه المذكرة إسم الدكتور والباحث عزالدين باش شاوش (وزير الثقافة الحالي) ليكون المرجع والمستشار في كل ما يمكن القيام به لاصلاح الوضع القائم في المواقع الاثرية. قطع أثرية في «الشعَبْ» وفي مذكرة أخرى بتاريخ 17 مارس 1995 تحمل توقيع المستشار ذاته أي السيد نجيب سلامة وتتعلق بالمواقع الاثرية والمتاحف بولايتي المنستير والمهدية، نقرأ: «بعد إذنكم، قمت بزيارة الى ولايتي المنستير والمهدية، وزرت كل المواقع الاثرية المسجلة وغير المسجلة والمتاحف واطلعت على حقيقة وضعها، ويؤسفني اعلامكم انه هناك غياب شبه كلي من طرف معهد الاثار وباحثيه وحتى وكالة التراث، قطع أثرية بونية (من مصابيح وأواني ولوحات فسيفساء جمّعت من طرف الاهالي بعدما وقع الحفر عليها في مواقع اثرية بالجهة ووضعت في نادي الشعبة أو العمدة، وقبور بيزنطية تم سلبها بمنطقة «القعالة»، لوحات وأواني لا تقدر بثمن هشمت وتضررت،وحوض استحمام من الفسيفساء وهو تحفة فنية نادرة قيل انه عرض بفرنسا...». هذا التسيب وهذا التهميش المتعمد للمواقع الاثرية تواصل الى السنوات الاخيرة وما قضية التجارة بالقطع الاثرية التي أثيرت في نهاية عام 2010 وكذلك ما أكتشف من قطع في بيوت الطرابلسي وصخر الماطري الا دليل على هذا التواطئ بين بعض عناصر من وزارة الثقافة مع أطراف خارجية عن الوزارة وهو ما يتطلب فتح تحقيق وتحديد المسؤوليات في هذا الملف الهام. قصور على مواقع نقول ملفا هاما لأنه يتعلق بتاريخنا وحضارتنا وهويتنا، ولما يشيد بعضهم القصور والفيلات على أرض موقع أثري فإن المسألة تصبح جريمة في حق الوطن، وهنا لا أتحدث عن الذين اشتروا قطع الأرض حسب التقسيم الموجود، ولكن الجريمة ارتكبها الذي أذن بالتقسيم والذي أنجزه، وما القضية التي أثيرت مؤخرا في قرطاج الا أنموذج من الممارسات والاعتداءات التي قام بها النظام السابق على تاريخنا وحضارتنا وتراثنا. وكمثال على ما أقدم عليه أعلى هرم السلطة في هذا المجال الأمر الذي أصدره بتاريخ 21 أكتوبر 1995 ويتعلق باخراج قطع أرض من المنتزه الاثري القومي لقرطاج سيدي بوسعيد، ويتعلق هذا الأمر باخراج قطع بقرطاج بيرصة وقرطاج محمد علي وبقرطاج وبالمرسى. هذه القطع التي تم اخراجها من المنتزه الأثري لقرطاج وتم تقسيمها لتصبح سكنية، هي محل جدل هذه الأيام وكانت سببا في قضية رفعتها منظمة اليونسكو ضد تونس، باعتبار أن تلك المنطقة مسجلة ضمن التراث العالمي. هذا الأمر الذي أصدره رئيس الدولة السابق فيه تجاوز لمجلة حماية التراث الاثري والتاريخي، وتجاوز للأمر الرئاسي الصادر يوم 7 أكتوبر 1985 والمتعلق بتصنيف موقع قرطاج من التراث العالمي. فهل بالامكان تدارك الامر من قبل سلطة الاشراف أي وزارة الثقافة، خصوصا وأن الدكتور عزالدين باش شاوش وزير الثقافة الحالي هو أحد أكبر الاخصائيين في مجال الآثار وعلى معرفة دقيقة بكل المواقع الاثرية وأهميتها؟ وكيف سيتم حل الاشكال مع أصحاب المنازل المشيّدة على المواقع الاثرية؟! وزارة الثقافة تعهدت بدرس الملف لكن عليها أيضا حماية بقية المواقع الاثرية الموجودة داخل الجمهورية ووضع استراتيجيات واضحة المعالم للنهوض بهذه المواقع حتى تصبح ذات مردودية اقتصادية.