احتضن فضاء المركز الثقافي «نيابوليس» بنابل يوم السبت 5 جوان الجاري عرضا مسرحيا رائعا قدّمه نادي المسرح بمعهد شارع علي البلهوان بنابل الذي ينشطه ويشرف عليه الأستاذ والشاعر عدنان الهلالي. وقد استمتع الجمهور الذي حضر بأعداد غفيرة بهذه المسرحية التي اقتبست من نص للفنان جاك بريل وقدمت بلغة فرنسية متقنة وبليغة مطعمة ببعض المواقف والجمل العربية التي منحت العرض طرافة وأضفت عليه متعة استحسنها المتفرّجون وتفاعلوا معها. المسرحية من اخراج عدنان الهلالي، وتمثيل عبير بلحاج صالح وإيمان والي وشكري فرايحيّة وسامية بوليلة وموفق الحناشي ووفاق الصدّادي (موسيقى الأستاذ نبيل العمّار وريجي الأستاذة شيراز بلغيث). وتدور أحداثها في جزيرة نائية مهجورة، حيث ينتظر مجموعة من الجنود عدوّا لا يأتي، فينشغلون بالأحاديث المتعدّدة الأصوات وبمحاورة ذواتهم وإنشاد آمالهم وآلامهم والتعبير عن خيبتهم بالرقص والغناء والبكاء والتأمّلات. خامرتني وأنا أتابع هذا العرض وألاحظ ما حققه من نجاح جملة من الهواجس، لعل أكثرها إلحاحا عليّ الآن هو أن هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا حماسة هؤلاء الشبان الذين أحبوا هذه الهواية وأخلصوا لها ومنحوها كل طاقتهم وتركيزهم ووقتهم، ولولا إصرار الأستاذ عدنان الهلالي الذي يبدو أنه نجح في زرع تلك الحماسة التي عرف بها في أرواح أبنائه وذلك الايمان بأن المثابرة والصبر والصدق في العمل لا بدّ أن يثمر رغم المصاعب والعراقيل وما أكثرها.. أقول هذا لأني كنت ممّن يراقب عن كثب استعدادات هؤلاءالشبان لهذا العرض، ووقفت في أثناء ذلك على الظروف الصعبة التي كانوا يتدربون فيها (أذكر أني حضرت ذات يوم بارد وممطر تدريبا على شاطئ البحر أصرّ عليه الفتيان رغم ممانعة أستاذهم لأنهم رفضوا إلغاء الحصة لتزامن موعدها مع احتضان المركب الثقافي لتظاهرة أخرى ولعدم جاهزية فضاء النشاط داخل المعهد الذي وعد مديره بتهيئته منذ أشهر دون أن يتحقق ذلك). كما حدثني الأستاذ الهلالي عن مدى عشق هؤلاء الشبان للمسرح وحماستهم التي دفعتهم الى الانفاق من أموالهم الخاصة لسداد ما يحتاجون إليه للعرض من ملابس وديكور وتنقل وغيرها. هذا دون الحديث عن تكلفة الدعاية وطباعة الدعوات التي تكفل بها الأستاذ. يدهشني أحيانا أن يتنافس الجميع على نسبة العمل الناجح لأنفسهم فقط أثناء النجاح، وأن يختفوا جميعا في كل المراحل التي تسبق ذلك وتهيء له وهي لعمري الأعسر والأقسى. ويدهشني أكثر أن يكتفي المسؤولون بالفرجة ويكونوا أول المغادرين لقاعة العرض، دون أن يكلفوا أنفسهم تحيّة هؤلاء الشبان وتشجيعهم بالكلام على الأقل (لديهم براعة فائقة في هذا المجال)، وكأنهم ضيوف غرباء. ما الذي يكلف هؤلاء أن يجعلوا من هذا العرض الذي يتوّج عملا شاقا طويلا فرصة للاحتفاء بهؤلاء التلاميذ ومنحهم بعض الحوافز المعنوية وجعل هذا الحدث مناسبة تغري زملاءهم بالانفتاح على مثل هذه الأنشطة الثقافية والفنية والانخراط فيها؟ أليس ذلك من صميم مهمة المربي وأوكد واجباته؟ إنّ هذا النجاح يقيم مرة أخرى الدليل على أنّ لأبنائنا طاقات كامنة مهملة، ومواهب مقبورة لا ينتبه إليها، وما أكثر حجم الضياع الذي يتكبده أبناؤنا بسبب هذا الاستخفاف بالعمل الثقافي داخل المؤسسات التعليمية وتهميش الأنشطة الفنية التي من شأنها أن تنقذ الكثير من الناشئة وتهديهم الى سبل كم هم في حاجة إليها حتى يكونوا أقوياء منيعين ضدّ آفات الفراغ والانحراف والاحباط. أختم برفع الشكر على لسان الأستاذ عدنان الهلالي الى مدير دار الثقافة بدار شعبان الفهري الذي فتح الدار وسخر الأجهزة لهذه الفرقة الشابة، والى السيد الطاهر العجرودي على حسن احتفائه بالعرض.