تصوّر العالم العربي منذ أيام أن انطلاق نهائيات كأس العالم لكرة القدم في جنوب افريقيا سيحوّل الانظار عن معاقبة كيان الاحتلال الصهيوني على المجزرة التي قام بها في حق المتضامنين على متن أسطول الحرية، وربما ذلك ما جعلنا نركن للسلم ونطالب بشيء من الهدوء حتى لا نفوّت على أنفسنا فرصة مشاهدة أبطال العالم يتنافسون من أجل اللقب. لطالما كان حالنا كذلك نتصيّد أقرب الفرص للخروج من دائرة الصراع العربي الصهيوني والركون الى بعض الهدوء حتى نستعيد أنفاسنا من فرط التنديد والاستنكار، لكن هل كان هذا حال المتعاطفين الغربيين وحتى اليهود مع القضية الفلسطينية؟ كثيرا ما كان الواقع أقسى من المتوقع بالنسبة لنا كعرب، ففي الوقت الذي نتنافس فيه على الحصول على بطاقات القنوات المشفّرة لمتابعة المباريات، وتفرغ مثقفينا لتحليل ودراسة فرص الفوز والخسارة لكل فريق طالعتنا مجموعة من المثقفين اليهود بخبر لم يكن في الحسبان، فهؤلاء لم يركنوا الى الراحة وكأن بطولة العالم في أكثر الرياضات شعبية لا تعني لهم شيئا... توصلت المجموعة في وقت قياسي الى إقناع 100 جامعة أمريكية بمقاطعة الجامعات الاسرائيلية في إطار حملة قادوها لتوسيع المقاطعة العالمية للكيان الصهيوني، أكثر من هذا ترفع المجموعة شعار «الجامعة التي تتعامل مع اسرائيل كما لو أنها دولة عادية فاقدة للشرعية»، وذلك وفق ما أكده مدير المجموعة الدكتور متان كوهين. ولا تتوقف هزائم المثقفين والنخب العربية عند هذا الحد حيث توجهت المجموعة اليهودية الى الانترنات أيضا وبالتحديد «الفايس بوك» ليس للبحث عن شفرات القنوات أو المواقع التي تبث مباريات الكأس مباشرة، بل لاستثمار مجزرة الحرية لاقناع فرق فنية غربية بمقاطعة حفلات في اسرائيل. وفي هذا الصدد يقول الدكتور والمحاضر الجامعي في الرياضيات كوبي سنيتش: «توجهنا إليهم عبر (الفايس بوك) وسألناهم كيف يأتون للغناء في اسرائيل في الوقت الذي يرتكب فيه الجيش جرائم ضد الفلسطينيين ومن يناصرهم». إذن لم نعد في حاجة الى مثقفين عرب على شاكلة السياسيين والاقتصاديين العرب، حيث وإن وجدنا أعذارا عدّة للساسة والاقتصاديين في عدم خوض معركة واضحة ضد الاحتلال الصهيوني، فإنه ليس من الممكن أن تتوفر أعذار للمثقفين العرب في الاكتفاء بتسويق الكلام وبيع أوهام محاكمة المجرمين الصهاينة، ليغلق ملف كل جريمة بعد استغلالها إعلاميا دون أن يقدموا لها أي نصر أو تحرك ثقافي. ويكفي القضية أنها أصبحت مدعومة سياسيا من تركيا والدول الامريكية اللاتينية واقتصاديا من المنظمات الانسانية وثقافيا من المفكرين والمثقفين اليهود والاوروبيين لأن الثقافة أممية ولا تعترف بحدود أو عقد.