انتهت أمس الدورة الأولى لامتحان الباكالوريا معلنة عن قرب دخول «امتحان» جديد يهمّ التوجيه الجامعي للناجحين المرتقبين في دورتي هذا العام، وهو امتحان أشدّ عسرا من الباكالوريا اذ سيحدّد وجهة ومسارات الطلبة الجدد وعلاقتهم المرتقبة بسوق الشغل التي تعاني حاليا من الاشباع المفرط ومن الاختلال الواضح بين العرض والطلب. وفي الحقيقة، فإن وزارة التعليم العالي تعاطت في السنوات الماضية مع ملف التوجيه بشكل مغلوط ولم يؤد الى الأهداف المأمولة، اذ بدا الرهان كميّا وليس نوعيا من خلال الحرص في الترفيع في أعداد الشعب والرغبة في الوصول بها الى ألف شعبة رغم أن كل الشعب المتوفرة في الدليل كانت متشابهة حدّ التطابق في الاسم والمضمون والآفاق. كما كان الهدف المعلن ضمان مقعد لكل حامل باكالوريا في الجامعة وهو ما جعل عملية التوجيه بمثابة لعبة الورق تنتهي بوضع كل طالب في مكان دون مراعاة لمؤهلاته وميولاته وأساسا لمتطلبات سوق الشغل المتميزة بحركيتها وتغيّرها الدائم، في إهمال واضح لمبدإ انفتاح المؤسسة الجامعية على محيطها. اليوم تأتي أولى بشائر التدارك والاصلاح من خلال تغيير شكل ومضمون دليل التوجيه والتقليص من عدد شعبه بنسب كبيرة وهو اتجاه مدعوّ الى التواصل تدريجيا، مثل الحرص على تجسيم المبدإ الرئاسي بمزيد تفتح المؤسسة الجامعية على محيطها الاقتصادي وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل المتحولة عبر تغيير مضامين وبرامج الشعب وايضا عبر متابعة تشغيل أصحاب الشهائد وتقبلهم في سوق الشغل. ولا يمكن في هذا الشأن اغفال جهد وزارة التعليم العالي وعدم خشيتها من فتح أبواب الاصلاح والتقويم من خلال احداث خلية لمتابعة ورصد تشغيل كل أصحاب الشهائد في كل الاختصاصات والجامعات متابعة حينية والحكم على نظام التدريس الجديد في عامه الخامس والسعي الى ضمان جودة التكوين بتعزيز نقاط الضوء البارزة واستئصال الاخلالات الظاهرة. واذا كانت وزارة التعليم العالي حققت استفاقة واتجاها واضحا نحو الاصلاح فإن وزارة التربية مدعوة الى الانخراط في هذا التوجه بالتقليص في نسبة الحاصلين على الباكالوريا بالاسعاف والذين توسع حضورهم وأصبحوا ثقلا على منظومة التعليم العالي يدفع الى توجيه عسير وغير ذي جدوى.